أدهم إبراهيم
في كانون الثاني 2020، تأكد وجود أكثر 75 ألف إصابة بفايروس كورونا في الصين ، ثبت أن أغلبهم من مدينة ووهان . وهي من المراكز الصناعية المهمة في الصين . ثم امتد إلى فيتنام وبعدها انتشر إلى أغلب المدن الصناعية والتجارية المهمة في العالم .
وهنا يبرز تساؤل لماذا تتأثر بعض البلدان والمدن أكثر من غيرها بالفايروس التاجي؟
ففي إيطاليا أصابت مدن الشمال في منطقتي لومباردي وفينيتو ، دون مدن الجنوب ، ثم انتشر في الشمال الشرقي من إسبانيا . وبعدها في مناطق صناعية في ألمانيا . وكذلك في مدينة نيويورك المدينة المشهورة بالبورصة العالمية والوول ستريت . وكذلك انتشر بصورة كبيرة في إيران . في حين هناك دول عديدة ظهر بها الوباء بصورة قليلة ، وخصوصاً دول أفريقية عديدة وكذلك في جنوب شرقي آسيا عدا اندونيسيا . ورغم أن العراق مجاور لإيران وهناك سياحات دينية كبيرة بينهما ، إلا أن نسبة المصابين في العراق أقل بكثير من إيران ، ونسبة الشفاء في العراق أكثر من إيران .
يعتقد البعض استناداً إلى نظرية المؤامرة ، أن الصين أرادت تخريب اقتصاديات العالم المتقدم للانفراد والسيطرة في عالم الصناعة والتجارة بعد أن تعاظمت صناعتها ، فتم نشره في هذه المدن الصناعية والتجارية الكبرى في العالم . وقد عزز هذا الاعتقاد شكوك الرئيس الأمريكي الذي اتهم الصين بحجب المعلومات بعملية مقصودة لتخريب الولايات المتحدة الأميركية . وبالرغم من أنه استبعد فكرة تصنيعه في الصين . لكون مثل هذا الاتهام قد يشعل حرباً مدمرة بينهما . إلا أنه عزا الأمر إلى مجرد إخفاء معلومات أضرت بالعالم . وأيده في ذلك الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا .
وفي الحقيقة فإن هناك شكوكاً مبنية على وقائع قد تؤيد هذا الرأي ، لقيام الصين بالتعتيم على انتشار الوباء , مما أدى إلى انتشاره في العالم ، كما أن الطبيب الصيني الذي حذّر من وجود مثل هذا الفايروس الخطر قد توفي في ظروف غامضة . ربما يستبعد البعض هذا الاحتمال نتيجة ولائه اليساري أو الشيوعي للصين . رغم أن الصين لم تعد دولة اشتراكية بعد أن تحولت إلى نظام السوق . بل إنها اتجهت إلى نمط اقتصادي شبه إمبريالي من خلال طريق الحرير واستحواذها على منشآت وموانئ عديدة في آسيا وافريقيا ، وساعدتها في ذلك الشركات الرأسمالية الأميركية والأوروبية حين أخذوا يصنعون بضائعهم في الصين لرخص اليد العاملة فيها ، مما شجعها على السير في طريق الإستحواذ ، ومزيد من الاطماع .
لا يزال الفايروس التاجي الجديد يحتفظ بمساحات واسعة بعد أكثر من أربعة أشهر على ظهوره في الصين .
يعتقد الباحثون البلجيكيون أنهم وجدوا تفسيراً لانتشار هذا الفايروس بمناطق محددة دون غيرها .
حيث صرح باحثون من جامعة غينت (UGent) أن الاختلافات الجينية بين سكان العالم تفسر لماذا يقتل الفايروس التاجي الجديد المزيد من الأشخاص في بعض البلدان دون غيرها .
وهذا يفسر ، وفقًا لهم ، أن الدول الاسكندنافية أو دول أوروبا الشرقية تبدو أقل تأثراً من مناطق أخرى في العالم . وأن عدد الوفيات من فايروس كورونا أقل بكثير من المتوسط ، وكذلك في دول البلقان ، حيث عدد الوفيات منخفض نسبياً . في المقابل ، ضرب Covid-19 بشدة شمالي إيطاليا وإسبانيا ونيويورك في الولايات المتحدة. كما تضررت بشدة ليمبورغ في هولندا وهينوت في بلجيكا .
وهكذا فإن السلالة والعرق مهمان جداً في معرفة مدى انتشار هذا الفايروس . وفي استطلاع أجري خلال وباء H1N1 ، أو أنفلونزا الخنازير السابق ، كان المستجيبون من أصل إسباني أكثر عرضة بكثير من المستجيبين البيض أو السود .
إن مزيداً من الدراسات والبحوث في هذا المجال ستعطي أدلة علمية أكثر على أسباب انتشار الأمراض والأوبئة في العالم ، خصوصاً بعد اكتشاف بنية الحامض النووي DNA وأثره في الجينات البشرية والسلالات .
وقد تبين أيضاً أن مواطني المناطق الأكثر ثراءً لديهم إمكانية أكثر للسفر ، وبالتالي فإن هناك فرصة أكبر للعدوى والتقاط المرض الجديد .
كما اثبت الاطباء أن الفايروس التاجي لا يزدهر في المناخات الأكثر دفئاً ، وإن للشمس تأثيراً قوياً عليه اكثر من المطهرات مثل الكلور (هيبوكلوريد الصوديوم).
من جانب آخر فأن السلوك الاجتماعي والتقاليد السائدة لها تأثير أيضاً على تفشي هذا الوباء . حيث لوحظ أن هناك ممارسات في دور العبادة ، مثل البكاء أو تلاوة الأناشيد ، من شأنها تسهيل انتقال الفيروسات إلى الآخرين عن طريق الفم .
ومن العادات والتقاليد الأخرى التي تؤثر على انتشار المرض والمنتشرة في إيطاليا وأسبانيا مثلاً ، السلام بالتقبيل على الخدين ، والعناق بشكلٍ كبير حتى في أماكن العمل ، حيث كان له الأثر السلبي في نقل الفايروس والتفشي بهذه السرعة .
كما يزيد انتشار الوباء في المناطق التي تعتبر الأسرة الكبيرة أحد أركان المجتمع ، حيث يصطحب الأجداد أحفادهم من المدرسة ، ويبقون معهم في البيت ، أو يقومون سوية بالتسوق أو التفسح ، مما يعرضهم للعدوى بشكل خطير .
إن أنماط السكن تشكل هي الأخرى من العوامل المهمة في انتشار الوباء . فاسبانيا تعد أكبر الدول في عدد الأشخاص المقيمين في شقق بين دول أوروبا، بحسب أرقام وكالة الإحصاء الأوروبية يوروستات .
أن عادة غسل اليدين في بعض البلدان تقلل من احتمالات نقل العدوى . وقد لوحظ أن كثيراً من سكان أوروبا وأمريكا لايغسلون أياديهم حتى عند خروجهم من دورات المياه .
وقد أفصح بيت هيغزيث، المذيع بقناة فوكس نيوز، العام الماضي على الهواء عن سر أشعل جدلاً واسعاً على الإنترنت. إذ ذكر أنه يعتقد أنه لم يغسل يديه منذ 10 سنوات. وأثار تعليقه هذا اشمئزاز الكثيرين، ونُشرت مقالات عديدة حول الجراثيم التي قد تلوث اليدين نتيجة عدم غسلهما بانتظام .
في عام 2015، أعلنت الممثلة جينيفر لورنس، أنها لا تغسل يديها قط بعد استخدام المرحاض. رغم أن كليهما أكد لاحقا أنها كانت مجرد مزحة. لكن في العام نفسه، ذكر السيناتور الجمهوري عن ولاية نورث كارولينا، إن إجبار العاملين في المطاعم على غسل أيديهم ، هو مثال على المغالاة في فرض شروط لا داعي لها .
غير أن مستخدمي المراحيض العامة ربما قد لاحظوا بالفعل أن الكثيرين لا يغسلون أيديهم بعد استخدام المرحاض، بل إن نسبة الأشخاص الذين يغسلون أيديهم بالماء والصابون بعد استخدام المرحاض، وأغلب الظن بعد ملامسة البراز، بحسب تقديرات دراسة أجريت في عام 2015، لا يتعدى 26.2 في المئة.
قد يعلّل البعض ذلك بنقص المرافق العامة في البلدان الفقيرة . لكن حتى في البلدان مرتفعة الدخل، حيت يتوفر الماء والصابون بكثرة، لا يغسل 50 في المئة من الناس أيديهم بعد استخدام المرحاض.
ربما يرى البعض أن هذه الإحصاءات صادمة، ولا سيما أن غسل اليدين يعد أحد أفضل الخطوات الوقائية في تاريخ البشرية التي أسهمت في زيادة متوسط العمر المتوقع، من 40 عاماً في عام 1850، أي منذ بداية انتشار عادة غسل اليدين، إلى نحو 80 عاماً الآن .( زاريا غورفيت BBCعربي) .
نمط الحياة الاجتماعية هو الآخر يلعب دوراً مهماً في انتشار العدوى وتفشي الوباء، إذ يقضي الفرنسيون والإسبان الكثير من الوقت في الشارع لتناول كأس أو السهر أو التظاهر أو الاحتجاج .