مقالات

إشكالية خروج سيناء من “صفقة القرن”

 
 
 
علت نبرة “صفقة القرن” في الآونة الأخيرة، وباتت وسائل الإعلام العربية والعالمية تتناولها في صدر صفحاتها، وتشير معظم توقعات الخبراء السياسيين إلى أن الصفقة سوف تتضمن وطنا بديلا للفلسطينيين في شمال سيناء، وهو ما أكدته وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلا أن هذا الطرح المدفوع أميركيا يلقى رفضا قاطعا من العرب وليست مصر فقط، سواء على المستويات الرسمية أو الشعبية.
ولأن الصفقة سوف تتم باتفاق إسرائيلي ومباركة ورعاية ووساطة الولايات المتحدة، فإنها تضع نفسها في كل خانات المعادلة، فبينما يصر جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن “صفقة القرن” هي حل لقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ويخرج بتلميحات إلى أن اختيار وطن بديل في سيناء هو مجرد مقترحات لإحلال السلام، يناقضه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، بأن خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط لن تشمل منح أرض من شبه جزيرة سيناء المصرية للفلسطينيين.
وقال جرينبلات أحد مهندسي الخطة في تغريدة على “تويتر” يوم الجمعة الماضي “سمعت تقارير عن أن خطتنا تشمل تصورا بأننا سنقدم جزءا من سيناء إلى غزة.. هذا كذب” ـ بحسب وكالة رويترز. لكن مصدرا مقربا من كوشنر قال للوكالة إن الخطة ستتطلب تنازلات من جميع الأطراف، واتفق كوشنر وجرينبلات على أن الصفقة لن تتضمن قيام دولة فلسطينية بالشكل الذي يطلبه العرب، وألمحا إلى أنها ستكون منطقة حكم ذاتي.
في منحى آخر، وعقب اعتراف البيت الأبيض بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة منذ عام 1976، رجح محللون أن ترامب ربما يسمح بتقديم الجولان إلى الفلسطينيين لتكون هي الوطن البديل؛ لكن هذا الحديث بعيد تماما عن الواقع، لأن إسرائيل تريد تسكين الفلسطينيين في سيناء.
لماذا سيناء تحديدا؟
للإجابة على هذا التساؤل استعرض بعض الحقائق التي تبين النية الإسرائيلية والتوجه الأميركي صوب سيناء، وقبلها يجب التطرق إلى أنه لا يمكن لإسرائيل السماح بتهجير الفلسطينيين في منطقة الجولان؛ لسبب استراتيجي بسيط، وهو أن هضبة الجولان مرتفعة ويمكن لأي صواريخ مطلقة منها أن تصل إلى تل أبيب بسهولة، وهو ما يضع إسرائيل تحت مرمى النيران الفلسطينية، إضافة إلى الخوف من اندماجهم من السوريين وتشكيل جبهة قوية ضد جيش الاحتلال.
إدارة ترامب هي الأكثر ميلا نحو إسرائيل، وقراراتها في قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي هي الأكثر فجاجة، ويريد ترامب أن يؤمن لإسرائيل جزءا كبيرا من أحلامها ويضعها في واقع جيد على الأرض قبل أن تنتهي ولايته، فبعد أن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس اعترف في العام التالي بسيادة دولة الاحتلال على أرض الجولان السورية، وبات متفرغا للتحرك غربا نحو حلم تمدد دولة إسرائيل.
يمثل كوشنر المسؤول الأميركي اليهودي المتشدد في البيت الأبيض، وأقرب الشخصيات إلى ترامب، كما أنه مؤمنا بـ”السامية” المزعومة، ولديه أحلام لا تختلف كثيرا عن أحلام اليهود الأصوليين في الداخل الإسرائيلي، وهم الأكثر تشددا من غيرهم، وبالتالي يسعى لتوجيه الدفة صوب “صفقة القرن”، وانتهاز ثقة ترامب لتحريك الإدارة الأميركية تجاه حلمه بوصف الوضع فرصة “ثمينة”.
أما اليهود فهم يعتبرون أن سيناء هي جنة الله في الأرض، ويعتبرونها أرضا مقدسة لهم، بل وينظرون إلى أنها أرض محتلة من المصريين رغم أن الحقائق التاريخية ترى أنها جزء من التراب المصري، ولم يكن لليهود إرث حضاري أو تاريخي فيها؛ ورغم ذلك يعلنون عن رغبتهم في العودة إلى سيناء، ويصفون فترة احتلالهم لها منذ عام 1967 وحتى 1973 بأنها فترة المجد اليهودي.
ويرى اليهود أن تسكين الفلسطينيين في سيناء مع منحهم شرعية دولية منقوصة، يمكن لهم أن ينقضوا عليهم، ويمارسون سياساتهم الإمبريالية في بقعة أخرى، ويطردونهم منها، ويحتلون الأرض من جديد مع شعورهم بالأمان عقب خروج الطرف المصري منها ـ وهو الطرف الأقوى ـ خصوصا وأنهم سيكونون قد طهروا (حسب معتقداتهم) أرض الميعاد ـ أي فلسطين ـ من العرب، وبالتالي أصبح الظهير اليهودي خلفها قويا.
أخيرا يجب أن أشير إلى أن الطموحات الإسرائيلية المرتكزة على الإرادة الأميركية لا يمكن لها أن تمر في ظل الرفض العربي القاطع لتمرير “صفقة القرن”، وهو ما تعكسه الجولات المتتالية والمتكررة لمسؤولي الإدارة الأميركية في البلدان العربية، كما يجب الإشادة بالمصريين الذين يرفضون المساس بوطنهم أو دخول حبة رمل من أراضيهم في صفقات تبادلية، ومع ذلك يكثفون الجهود لحل القضية الفلسطينية وإحلال السلام بالمنطقة؛ لكن تبقى إشكالية خروج سيناء من طرح “الوطن البديل” حدثا مؤكدا بالنسبة لمصر والعرب، ومعادلة مستحيلة بالنسبة لليهود، وهو ما سوف تكشفه الأيام القادمة.
 
أيمن حسين