اقتصادي

إغراءات مصرية لإعادة البواخر إلى قناة السّويس… هل تنجح؟

قناة السويس

تُكثف مصر جهودها الهادفة إلى تقليص التداعيات السلبية والتوترات المتصاعدة في منطقة البحر الأحمر وتصاعد هجمات الحوثيين على السفن البحرية، عبر دعم عملائها بحزمة من الآليات والخدمات البحرية وعقد سلسلة اجتماعات متتالية مع المؤسسات والخطوط الملاحية الدولية لاستعراض تداعيات الأزمة وسبل التعامل مع الاضطرابات الحالية، بالإضافة إلى درس مشروع “الازدواج الكامل للمجرى الملاحي للقناة”. وتشهد سلاسل الإمداد العالمية اضطرابات في ضوء زيادة فترة الرحلات المستغرقة للدوران حول أفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح، ونتيجة البحث عن ممرات مائية بديلة لقناة السويس، الأمر الذي انعكس تداعيات سلبية على حركة التجارة البحرية ومؤشرات الاقتصاد العالمي. ووفقاً لرئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، فإن التوترات في البحر الأحمر وباب المندب تسببت بارتفاع أسعار الشحن والتأمين نحو 10 أضعاف، الأمر الذي يعكس أهمية دور قناة السويس كممر مائي يسهم في الربط بين آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا. وأضاف أن القناة استهدفت دعم عملائها في ضوء استمرارية تلك الأزمة عبر إطلاق حزمة من الآليات والخدمات البحرية بهدف الحد من تداعيات الأوضاع، وذلك من خلال تقديم خدمات صيانة السفن في ترسانات الهيئة، والتزويد بالوقود والمؤن الغذائية، بالإضافة إلى تقديم خدمات الإسعاف والإنقاذ البحري ومكافحة التلوث. وأضاف ربيع أن مشروع “الازدواج الكامل للمجرى الملاحي للقناة” يستهدف رفع تصنيف القناة وزيادة تنافسيتها، فضلاً عن زيادة القدرة العددية والاستيعابية للقناة لتصبح قادرة على استيعاب كل فئات سفن الأسطول العالمي وأحجامها. وأكد خبراء واقتصاديون في تصريحات خاصة إلى “النهار العربي” أن ارتفاع تكلفة الشحن والتأمين لنحو 10 أضعاف، يعد نتيجة طبيعية في ضوء البحث عن ممرات مائية بديلة تزيد من مسافات الرحلة، وذات تداعيات سلبية على سلاسل الإمداد العالمية خلال الفترات المقبلة.  وأضاف الخبراء أن إطلاق خدمات بحرية بهدف دعم عودة حركة السفن من جديد عبر قناة السويس يعد مجرد بداية، ولكنه يتطلب الاستمرارية والتنويع في الخدمات المقدمة، فضلاً عن البحث عن خيارات أخرى سياسية تهدف إلى سرعة إنهاء التوترات الحالية في المنطقة واستعادة القناة دورها من جديد، بالإضافة إلى خيارات استثمارية لتعظيم دور القناة وأهميتها لمصر. وكانت وكالة “بلومبرغ” قد كشفت في كانون الثاني (يناير) الماضي، عن تراجع حركة الملاحة في قناة السويس 41 في المئة عن ذروة عام 2023، وسط تصاعد التوترات جنوب البحر الأحمر بسبب استهداف الحوثيين سفناً.  التّوترات ومضاعفة دور القناةويرى مدير “مركز رؤية للدراسات”، بلال شعيب في حديث إلى “النهار العربي”، أن استمرار ارتفاع أسعار الشحن والتأمين في ضوء توترات البحر الأحمر يبرز أهمية دور قناة السويس كممر مائي حيوي في العالم يتحكم في أكثر من ثلث تجارة العالم. وأضاف أن التوسع في حزمة الخدمات البحرية ضروري ويُسهم في تمهيد البيئة المناسبة لإعادة الدور الحيوي للقناة في مواجهة تأثير التوترات الجيوسياسية الحالية في البحر الأحمر، مؤكداً أنه لا حروب وتوترات دائمة، وبالتالي المخاطر مختلفة كل فترة.  وتقدر إيرادات قناة السويس الحاليية بنحو 8 مليارات دولار سنوياً، وهي معرضة لمخاطر جيوسياسية واقتصادية مثل التضخم، وتباطؤ معدل النمو الاقتصادي ونقص السلع والخدمات.  وفي ضوء تلك التحديات، يقول شعيب إن المرحلة الحالية تتطلب تعظيم القيمة المضافة من قناة السويس، وبدء تنفيذ أفكار خارج الصندوق، عبر  مشاريع تخدم القناة وتدر عائداً يضمن بدوره استمرارية الدخل، وبالتالي عدم التأثر بالمخاطر الجيوسياسية والتوترات التي يشهدها العالم كل فترة.  واستعرض أبرز سبل الاستفادة من قناة السويس عبر التوسع في خدمات صيانة السفن، ومنح تراخيص السفن، بالإضافة إلى تموين السفن وإضافة أنشطة مثل حفظ بعض المواد الغذائية والقيام بدور أكبر مستودع للحبوب للعالم عبر استغلال الاتفاقيات الدولية الموقعة مع مصر، مؤكداً أن تلك السبل قادرة على نقل مصر نقلة اقتصادية كبيرة. التوترات مستمرة لنهاية 2024 خبير الشؤون البحرية الربان صالح حجازي توقع أن تستمر التوترات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر حتى نهاية العام الجاري 2024، في ظل غياب مفاوضات حالية بشأن القدرة على إنهاء هجمات الحوثيين على السفن العابرة ومع استمرار الأحداث في غزة.  وقال إن إطلاق حزمة من الخدمات البحرية مثل تموين السفن لن يكون له تأثير من دون حلول جذرية لأساس المشكلة والتوترات الحالية، بخاصة في ضوء كثرة مراكز التموين العالمية في نقاط بحرية عديدة.  وأكد أن المتأثر الأساسي من تلك الأزمة يتمثل في المواطن الأوروبي والآسيوي، في ضوء طول فترة المدة في نقل البضائع نتيجة الاتجاه إلى العبور عبر ممرات أخرى بخلاف قناة السويس.  تأثير إيجابي وفي المقابل، توقع مدير “مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية”  مصطفى أبو زيد، في   أن تساهم حزمة الآليات والخدمات البحرية المستهدفة في جذب السفن المارة عبر قناة السويس، لكنه لفت إلى أن تحقيق ذلك مرهون بهدوء الأوضاع فى البحر الأحمر وأيضاً انتهاء حالة الحرب على غزة خلال الفترة المقبلة.  وأشار إلى تطلعاته بأن تؤتي المفاوضات الجارية في القاهرة ثمارها فى التوصل إلى صيغة اتفاق بين إسرائيل وفلسطين، من شأنه إعادة الأمور إلى طبيعتها وتهدئة الأوضاع فى البحر الأحمر، وبالتالى عودة حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس إلى مسارها الطبيعي. وأوضح أن طول أمد الأزمة الحالية يعني المزيد من التداعيات على حركة التجارة العالمية وأسعار السلع والطاقة، إلى جانب المزيد من الأضرار بعائدات قناة السويس التي تعتبر من المصادر الرئيسية للتدفقات الدولارية للاقتصاد المصري. خطوات داعمة ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة إلى “النهار العربي”، أن تصريحات رئيس هيئة قناة السويس بشأن تبني حزمة آليات وخدمات بحرية من شأنها الحد من تداعيات الأوضاع، تشير إلى جهود قناة السويس في تقديم دعم وحوافز تشجيعية لعملائها خلال الأزمة، وتبني حزمة آليات وخدمات بحرية للتعامل مع تداعيات الأوضاع الراهنة، خاصة أحداث البحر الأحمر. وأضاف أن هذه الخطوات تعكس الاستعداد والتحضير الجيد لمواجهة التحديات التي تنشأ نتيجة استمرار المخاطر والتوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، من خلال تقديم خدمات إصلاح وصيانة السفن في ترسانات الهيئة يمكن أن يكون لها تأثير كبير في تقليل تأثيرات الأزمة على حركة الملاحة، بخاصة أن إصلاح السفن التالفة وصيانتها بفعالية يساعدان على استعادة سرعة العمليات وتحسين الكفاءة العامة للممر الملاحي، بالإضافة إلى ذلك يعد تزويد السفن بالوقود والمؤن الغذائية والمياه جزءاً أساسياً من الدعم المطلوب في ظل استمرار المخاطر والتوترات الجيوسياسية. وأشار إلى أن تأمين احتياجات السفن يساعد على ضمان استمرارية العمليات وتجنب أي انقطاعات غير مرغوب فيها، كما يمكن اعتبار هذه الوسائل من وسائل الدعم المهمة للتصدي لتداعيات استمرار المخاطر والتوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة استمرار قناة السويس في تعزيز إمكانياتها وتحسين خدماتها لضمان استمرارية حركة الملاحة، وتقديم الدعم اللازم لعملائها في ظل أي تحديات قد تواجهها المنطقة.