إقامة الدولة الفلسطينية .. البناء يبدأ من الداخل

1

 
 
لا يصح العمل وفق رؤى متعددة واستراتيجيات متباينة وأحيانا متضاربة، بهذا الشكل الذي نراه يسهل على العدو طرق المواجهة والوقيعة بين مختلف الأطراف، وفي هذه الحالة تكون القضية هي الخاسر الأكبر، وليس أدل على ذلك مما نلاحظه اليوم من تكالب الأعداء وصولا لما يسمى بصفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية بالكامل وليس حلها ولو جزئيا.
 
يحلم المواطن العربي من المشرق إلى المغرب باليوم الذي تقام فيه الدولة الفلسطينية، ليس فقط على حدود عام 1967 ولكن على كامل التراب الفلسطيني، وإن كانت الأوضاع الإقليمية والدولية وما تمر به المنطقة العربية من مخاض عسير، يجعل من الصعوبة بمكان ـ على الأقل في الوقت الراهن ـ تحقيق هذا الحلم، ولأن الأحلام لا تتحقق دفعة واحدة، فلا أقل من التحقيق الجزئي لحلم إقامة الدولة الفلسطينية إلى أن يحين الوقت المناسب لتحرير كامل التراب الفلسطيني.
ولتحقيق هذا الحلم فإن البداية تكون من الداخل، والداخل هنا لا يعني فقط الفلسطيني وإنما كذلك العربي والإسلامي، فالقضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل مسؤولية العالمين العربي والإسلامي، ولذلك فإن كل دور وكل جهد تقوم به أي دولة عربية هو جزء من عملية إعادة البناء، وإن كان الجزء الأكبر يقع على عاتق الطرف الفلسطيني، باعتبار أنه في قلب الصراع وحجر الأساس في مواجهة العدو، ولا يمكن تجاوزه ولا تجاوز دوره في هذا الصراع الطويل والمستمر منذ أربعينيات القرن الماضي.
لذا فإنه من أجل إقامة الدولة واستكمال عملية البناء على الداخل الفلسطيني تحقيق عدة أمور مهمة، يأتي في مقدمها نبذ الخلاف وتوحيد الصف وجمع الشعب الفلسطيني على كلمة سواء، وفي هذا لا يضر أحدا، سواء حكومة أو فصائل أو حركات، أن يتجرع الدواء المر من أجل المصلحة العليا للوطن، دون أن يتذرع بمصالح ضيقة تضر أكثر مما تنفع، فما أضيرت القضية منذ بداياتها عام 1948 بأكثر مما أضيرت خلال العقد الأخير بسبب الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني، واختلاف الكلمة وتفرق الصف بهذا الشكل الذي نراه الآن.
ويتمثل الأمر الثاني في وضع رؤية واستراتيجية موحدة لعملية البناء، إذ لا يصح العمل وفق رؤى متعددة واستراتيجيات متباينة وأحيانا متضاربة، بهذا الشكل الذي نراه يسهل على العدو طرق المواجهة والوقيعة بين مختلف الأطراف، وفي هذه الحالة تكون القضية هي الخاسر الأكبر، وليس أدل على ذلك مما نلاحظه اليوم من تكالب الأعداء وصولا لما يسمى بصفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية بالكامل وليس حلها ولو جزئيا.
أما الأمر الثالث والمهم فيتمثل في العلم بأن الحل النهائي للصراع لن يحصل دفعة واحدة، وإنما على مراحل، وهذا ما تخبرنا به التجارب السياسية التاريخية، لذلك فإن الطرف الفلسطيني المفاوض وإن تسبب في السابق في ضياع فرص سياسة كان من الممكن أن تضع القضية في مكان مختلف عما هي عليه الآن، فإن أقل ما يمكن فعله الآن هو استغلال الفرص التي تتاح بين الحين والآخر على قلتها من أجل استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وإذا نظرنا إلى الماضي سنلحظ أنه كان هناك العديد من الفرص التي لم يتم استغلالها، ومن ذلك المشاركة في مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية التي رفضها الفلسطينيون على الرغم من تضمنها بندا يهدف لإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يتبع بمحادثات للوضع النهائي، وغيرها من المفاوضات: كمفاوضات كامب ديفيد 2000 وطابا 2001 والتي تم خلالها حسم العديد من الملفات قبل أن يرفض الرئيس الراحل ياسر عرفات ما جاء فيها في اللحظة الأخيرة، لذا فإننا لكي نعبر المستقبل، لا بد وأن نتعلم من أخطاء الماضي، وأن لا نقف جامدين أمام حركة التاريخ، وأن نتعامل مع العدو الإسرائيلي بنفس الأساليب التي سبق وأن تعامل بها معنا، وأن لا نترك له المجال كي يقضي على ما تبقى من القضية، خصوصا وأننا أمام مفترق طرق صعب، يتطلب تضافر كافة الجهود والقوى من أجل تجاوزه بسلام للحفاظ على القضية وعلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
 
د. أسامة نورالدين
كاتب صحفي وباحث علاقات دولية

التعليقات معطلة.