إقليم كردستان العراق يسعى إلى تكريس حياده عن صراعات المنطقة

1

حكومة إقليم كردستان العراق.

فيما يتواصل الصراع الإقليمي واستقطاباته في المنطقة، يجهد إقليم كردستان العراق للبقاء على الحياد ضمنه، حتى لا تنعكس آثاره على أوضاعه الداخلية، الأمنية والسياسية والاقتصادية، كجهة وفاعل سياسي “أقل شكيمة” وإمكانات من القوى المحيطة به، خارجياً وداخلياً، خصوصاً أنّ الكثير من الأطراف يتطلّع لتقويض قدراته. منذ بدأت الحرب في غزة، وما تلاها من توسّع للصراع إلى مناطق أخرى من الإقليم، في سوريا ولبنان والعراق واليمن، بقي مسؤولو الإقليم يصرّون بقوّة على حياده حيالها، ملتزمين بالموقف الرسمي للحكومة العراقية، وإن كانوا يعبّرون عن تأييدهم للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، مطالبين بوقف الحرب وإيجاد مسارات تفاوضية. أحداث متتابعة وتحوّلات ميدانيةوحين زادت هجمات الفصائل المسلّحة المقرّبة من إيران على قواعد الجيش الأميركي في إقليم كردستان، بما في ذلك بعض المناطق المدنية من مطار أربيل عاصمة الإقليم، وأخرى لقوات البيشمركة الكردية، لم يُصعّد الإقليم عسكرياً ضدّها، وطالب بحل الموضوع عبر الحكومة العراقية والقنوات الرسمية. وحينما وصل الأمر إلى قصف إيراني مباشر لمنزل مدني ضمن العاصمة أربيل، بحجة وجود مركز للموساد الإسرائيلي داخله، فإنّ الإقليم نفى تلك الاتهامات تماماً، وبقيت قيادته تعتبر إيران دولة جارة وطرفاً سياسياً استراتيجياً في المعادلة العراقية، على رغم تشكيك قياداته بجدّية قيام الحكومة المركزية بإجراءات رادعة لصالح الإقليم، لحمايته وصون أمنه. لكن، وحينما شنّ الجيش الأميركي سلسلة من الهجمات على مواقع للحشد الشعبي في سوريا والعراق، فإنّ القوى السياسية الكردية لم تلبِ الدعوة لحضور جلسة برلمانية مخصّصة لنقاش الأمر، والمطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق، معلنةً دعمها والتزامها المفاوضات التي تجريها الحكومة العراقية مع الطرف الأميركي في هذا الشأن، وإن كانت تعتبر الوجود العسكري الأميركي في العراق، بالذات في إقليم كردستان، بمثابة مظلّة أمان سياسي وعسكري بالنسبة له. 

 اللقاءات التي عقدها رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني أثناء مشاركته في منتدى دافوس أوائل الشهر الجاري، ومن ثم التصريحات التي أدلى بها لوسائل إعلام أميركية، والتي طالب فيها بمزيد من الدعم للإقليم في ظلّ تزايد الضغوط الأمنية والسياسية عليه، ومن ثم الزيارة الاستثنائية لوزير الدفاع التركي لكردستان، وتأكيد الإقليم للعلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، لم تؤثر على بقاء العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الإقليم وإيران، والتي بقيت سلسة ومن دون أي مطبات تُذكر. “ليس جزءاً من الصراع”الزيارة المطولة لوفد رئاسة إقليم كردستان للولايات المتحدة، برئاسة مساعد رئيس الإقليم فلاح مصطفى، أكّدت هذا الموقف في كل اللقاءات التي أجراها الوفد، وصرّح أثناءها مساعد رئيس الإقليم في الأحاديث الإعلامية قائلاً “إنّ إقليم كردستان ليس جزءاً من مشاكل المنطقة”. مصدر سياسي رفيع في إقليم كردستان شرح في حديث لـ”النهار العربي” استراتيجية الإقليم تجاه الاستقطابات، قائلاً: “مثل الكثير من الدول والكيانات الديموقراطية في المنطقة والعالم، فإنّ السلطة الحاكمة في إقليم كردستان المسؤولة أولاً ودائماً عن مصلحة سكان كردستان وحقّهم في التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة، لا يرى في الانجرار إلى الصراعات التقليدية في المنطقة أية فائدة، خصوصاً أنّ تأثيره ودوره جزئي للغاية في هذه الصدامات، والتي لم يستطع حتى الفاعلون الرئيسيون الأكثر قوة وشرعية، إحداث تأثير أو تحوير فيها. هذا غير الالتزام التام من الإقليم بما تقوم به الحكومة المركزية العراقية، وهذه الأخيرة حيادية تماماً تجاه ما يجري، بغض النظر عن تصريحات وخطابات بعض الوزراء أو القوى السياسية، فالحكومة العراقية لم تنجرّ لأية حروب أو صراعات في المنطقة، وإن كان لها موقف سياسي وأخلاقي من حقوق الفلسطينيين مثلاً، وهو ما لإقليم كردستان تماماً”. حياد موضوعيالباحثة رضوى آشتياني أوضحت في حديث لـ”النهار العربي” كيف أنّ الإقليم لا يستطيع إلاّ أن يكون حيادياً في المشهد العام في المنطقة، وقالت: “من طرف يعيش إقليم كردستان على حدود إيران، وهو خاضع لسطوة القوى السياسية المركزية الموالية لإيران داخل العراق، ومن طرف آخر لأنّ الإقليم يرى تجربته السياسية وما حققه من تنمية إنما حدث بفضل الولايات المتحدة والدول الغربية، هذا غير شعوره بالمسؤولية عن استقرار أوضاعه الداخلية، في وقت يفتقد للكثير من أسس الشرعية الدولية والقدرة على حماية أمنه الوطني الاستراتيجي من دون مساعدة وحماية دولية. ويسعى الإقليم لإيجاد توازن بين كل القوى المؤثرة عليه وعلى كل العراق، وهو ما يبدو صعباً للغاية في ظلّ الاستقطاب الحالي الحاد”. وتضيف آشتياني: “لا يتعلّق الأمر بالإقليم، بل بالقوى الأخرى التي تريد تصدير الرسائل والتأثيرات الإقليمية عبره. ففي وقت لا تتجرأ القوى الأساسية على الدخول في مواجهات مباشرة، فإنّها تستهدف الكيانات الأكثر هشاشة وقدرة على الردّ مثل إقليم كردستان، في وقت لا يحظى بتغطية استراتيجية من أي طرف قوي. حتى الولايات المتحدة تفتقد لاستراتيجية حمائية واضحة تجاه القوى الأصغر القريبة منها في المنطقة. فمسألة مثل تأمين رادارات وأسلحة جوية حمائية للإقليم يتمّ نقاشها في الولايات المتحدة منذ سنوات، من دون تنفيذ أي شيء”.

التعليقات معطلة.