المصدر: النهار العربي رستم محمود
عمّال بناء في إقليم كردستان العراق.
A+A-مواكبة للتوجهات الاستراتيجية بإعادة هيكلة الاقتصاد، يستعد برلمان إقليم كردستان العراق لوضع اللمسات الأخيرة على قانون جديد للعمل، يكون مطابقاً “للمعايير الدولية لخلق بيئة آمنة للعمل وحماية حقوق العمال دولياً”، ويهدف البرلمان من خلال القانون إلى تنظيم الحقوق الأساسية للناشطين في سوق العمل والانتاج، إلى جانب تأطير التشغيل والتدريب المهني، وتنظيم عمل المقيمين الأجانب وعقود العمل، إضافة إلى تحديد طبيعة الحقوق والواجبات المتبادلة بين العاملين وأصحاب العمل. قانون العمل الجديد الذي طالت مناقشته لأشهر عدة، مع قراءتين تفصيليتين له ضمن برلمان الإقليم، من المفترض أن يُعرض على التصويت خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وهو يأتي في وقت أعلن الجهاز الإحصائي في إقليم كردستان عن زيادة استثنائية لعدد سكان الإقليم، إذ تجاوزوا 6 ملايين نسمة، من بينهم قرابة 300 ألف مقيم أجنبي، أغلبهم من العمال والمنخرطين في النشاط الاقتصادي، ومعهم قرابة ربع مليون لاجئ مقيم، أغلبيتهم من أكراد سوريا وإيران، لكنهم يعملون في مختلف القطاعات الاقتصادية. معايير دوليةمشروع القانون الجديد الذي أعدت وزارة العمل في الإقليم مسودته الأولى، ينقسم إلى 159 مادة تفصيلية، تقول الوزارة إنها أخذت بالمعايير والمعاهدات الدولية أثناء كتابته، إلى جانب التطلعات والبرامج التي تعلنها الأحزاب السياسية في الإقليم. فمواد القانون الجديد مثلاً تمنع الأطفال دون سن الـ15 عاماً من مزاولة أي عمل، بما في ذلك التدريب غير المنظم. كذلك فإن قانون العمل هذا يساوي بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات في مجال العمل، مع تمييز إيجابي لصالح النساء في مختلف المجالات.
على أن أبرز ما لفت انتباه المراقبين هو تحديد سقف ساعات العمل بالنسبة للعمال (8 ساعات يومياً لمدة خمسة أيام في الأسبوع)، مع فرض إجراءات على الجهات غير الملتزمة بتلك المعايير، وزيادة الأجور والحد الأدنى منها بشكل متقادم، بما يتناسب مع التضخم الذي يمكن أن يحدث. بيئة العمل في إقليم كردستان ترتبط راهناً بقانون العمل العراقي العام، الذي صدر في ثمانينات القرن المنصرم، مع إحداث بعض التعديلات عليه خلال السنوات الماضية. لكن مراقبين في الإقليم يعتبرون أن هذا القانون مركزي للغاية، يُركز على تنظيم العمل بالنسبة لموظفي الدولة، أو القطاع الخاص الشريك مع مؤسسات الدولة في أفضل الأحوال. الباحث الاقتصادي فرماز هوتي شرح في حديث لـ”النهار العربي” المستويات الأربعة التي كانت منظمات المجتمع المدني ونظيرتها الحقوقية تضغط بها على حكومة الإقليم لإقرار قانون جديد للعمل، وهي حققت تلك المعايير بعد ملاحظة التطورات الاقتصادية في الإقليم. يقول هوتي: “كان القانون السابق ينظم ما يقل عن 5 في المئة من أفراد المجتمع، الذين كانوا يُعتبرون عمالاً، فيما كانت الأغلبية العظمى من السكان فلاحين. راهناً تغيرت النسب، بحيث أن القانون الجديد قد يمس أكثر من 70 في المئة من السكان. الأمر الآخر يتعلق بتحديث بيئة العمل نفسها، لتكون أولاً معتمدة على القطاع الخاص مثلاً. فاستقرار هذا القطاع سيخلق أماناً وثقة به، تخفف كثيراً من العبء على الدولة والقطاع العام. كذلك فإن المزيد من مشاركة الإناث في النشاط الاقتصادي، من خلال إيمانهن مع عائلاتهن بسلامة بيئة العمل، إنما ترفد الاقتصاد المحلي بطاقة اقتصادية كبرى”. ملاحظات نقابيةالعديد من المؤسسات والنقابات المهنية في الإقليم قدمت ملاحظاتها بشأن القانون الجديد، وأتت المطالبة بتحديد ساعات العمل بـ 6 ساعات بدل 8 على رأس الأولويات، إلى جانب المطالبة بفرض يومين كعطلة أسبوعية على مختلف القطاعات الانتاجية، الخاصة والصغيرة منها بالذات. لكن مختلف تلك المؤسسات عبرت عن رضاها لما نص عليه القانون من مراجعة إجبارية للحد الأدنى من الأجور كل عامين، إلى جانب إلزام مختلف المؤسسات الانتاجية التي يزيد عدد العمال فيها على 50 عاملاً على فتح دار للحضانة لأطفال العمال. واعتبرت المؤسسات أن إعطاء إجازة أمومة لمدة شهر واحد بأجر مدفوع هي أقل من تطلعاتهم، إلى جانب سنة كاملة من دون راتب.
رئيسة برلمان إقليم كردستان ريواز فائق كانت قد وعدت خلال تصريحات إعلامية بتطبيق مختلف التوصيات التي تقدمت بها منظمة العمل الدولية، والالتزام بمعايير الخبراء الدوليين الذين تمت استشارتهم أثناء وضع مسودة القانون، خصوصاً في ما يتعلق بزيادة أيام الإجازة السنوية المدفوعة بالنسبة للعاملين في مختلف القطاعات الاقتصادية، بحيث لا تكون أقل من 30 يوماً في العام، إلى جانب توفير حماية صحية ونفسية وحقوقية للعاملين.