د.سامان سوراني
ماحدث بالأمس في مدینة كركوك الكوردستانیة کان مخطط تم تطبیقه من قبل أطراف في القیادة العراقیة الواقعة منذ سنوات تحت إمرة قاسم سلیماني والمنفذة لأوامر الحشد الشعبي الموالي لولایة الفقیه بهدف تغییر العراق الی دولة دینیة طائفیة و كسر إرادة شعب كوردستان بعد إعلان نتائج الإستفتاء من أجل الإستقلال والتي كانت بمثابة تسونامي جیوسیاسي وقرار تاریخي هام في رفض المخططات الإیرانیة في المنطقة، تلك المخططات التي نفذت في السنوات الماضیة علی أرض الواقع بمساعدة نوري المالكي، الحلیف الإستراتیجي لسیاسة إیران، وأنتجت وللأسف کل من داعش والقاعدة بغرض تفكیك العراق.
نعم بالأمس سقطت مدینة كركوك شکلیاً بتصمیم قاسم سلیماني، الذي یدیر مجامیع من المیلیشیات الدینیة المسلحة العابرة للحدود والقائمة ضمن فكر نظام دولي مخالف لنظام الفكر الدولي السائد في القرن الواحد والعشرین. هذا وقد دفع قرار إنفرادي إتخده أفراد تابعین لجهة سیاسیة في كوردستان الی إنسحاب قوات البیشمركة مما أدی الی قبول الرجوع الی خط التماس و آلیة نشر القوات الإتحادیة و قوات الإقلیم، تلك التي تم الاتفاق عليها بین بغداد و أربیل قبل عملية تحرير الموصل في ١٧-١٠-٢٠١٧.
لقد بقیت كركوك بسبب جغرافیتها و دیموغرافیتها و ثرواتها وتاریخها الكوردستاني منذ عام ٢٠٠٥ دون إنتخابات ولم تنفذ فیها المادة ١٤٠ من الدستور لحل عقدتها وخلع رداء التنازع علیها . وبعد إنسحاب القوات الأمریکیة منها في حام ٢٠١١ أشعل الضوء الأخضر للمالكي والموالین الی ولایة الفقیه لإستهداف كركوك و محاصرة كوردستان و خلق أزمات متتالیة فیها، لکن حنكة القیادة الکوردیة وحکمة الرئیس بارزاني أفشل تلك المخططات لصالح إیقاف الفوضی و نشر الإستقرار فیها.
لقد کان الهدف الأول والأخیر للرئیس مسعود بارزاني هو المحافظة علی مکتسبات الإقلیم وحمایة الأمن والإستقرار فيە، لأنه یعرف وکما ذُکر أكثر من مرة بأن الحشد الشعبي ماهو إلا ظاهرة خطیرة مماثلة لظاهرة داعش الإرهابیة، تهدد الیوم إقلیم كوردستان. لقد ظهر جلیاً بأن دیمومة الحشد علی شاکلة الحرس الثوري الإیراني مكّن مشروع التابع لولایة الفقیه بشكل أكبر و مدّد هیمنة الجمهوریة الإسلامیة علی الدولة العراقیة ومقدراتها بشكل أوسع ووضعها علی المحك. إن قیام المالكي وحاشیته بنسف التحالف الكوردستاني الشیعي وإنتهاکاته المستمرة للدستور و ضربه الإتفاقیات عرض الحائط مع إرسال تصریحات وتهدیدات ناریة ضد شعب كوردستان وقطعه حقوقهم من الموازنة العامة وبروز قوة الحشد الشعبي في العراق كل هذا دفع قادة إقلیم كوردستان وشعبه باللجوء الی الإستفتاء كمخرج لمحافظة نفسه من إستهتارات قاسم سلیماني و سیاسات إیران في المنطقة.
الیوم نراه من الضروري العمل الجاد مع القوی المحلیة والإقلیمیة والدولیة المخالفة لفکر النظام الدولي الإیراني علی بناء تحالف یواجه ویعالج خطر ظاهرة المیلیشیات الممتدة من طهران الی بیروت، تحالف یردع سیاسة إیران التوسعیة في العراق والمنطقة.
ولضمان الأمن والإستقرار في المنطقة علی المجتمع الدولي إحترام رأي شعب كوردستان ودعم تفعیل الدستور العراقي، الذي أنتهك لمرات وممارسة الضغط علی القوی الفاعلة المؤمنة بالتجربة الدیمقراطیة في العراق لتفکیك میلیشیات الحشد الشعبي اللادستوریة وإفشال المشروع الطائفي الإقصائي ورفع وصایة إیران عن العراق وتحجیم وجودها فیها وحث الإقلیم وبغداد للجلوس علی طاولة المفاوضات من أجل الوصول الی حل سیاسي سلمي مدني یصب في مصلحة الطرفین.
کفی إستخدام العراق من قبل إیران كوسیلة ضغط في التفاوض مع الولایات المتحدة علی المشاکلة النوویة والنفوذ الإقلیمي. علی القوی السیاسیة في بغداد المؤمنة بالحل السلمي لخلافات والقضایا العالقة بین بغداد وأربیل أن تطمئن بأن القیادة السیاسیة في كوردستان تعمل علی حفظ الأمن والإستقرار كوردستان والمنطقة، فهي تؤمن ببناء علاقاتها على أساس المصالح المشتركة وترید لشعبه أن یلعب دور فعال وإیجابي في صناعة السلام وإیقاف الفكر الطائفي ومکافحة المد الإرهابي.
ولإنجاح سیاسة التعایش السلمي یجب أن تبدأ الحوار بین بغداد وأربیل لبحث جمیع النقاط العالقة وإزالة جمیع القضایا المتنازع علیها وإیجاد الحلول العملیة الوسطی ذات المنفعة المشتركة حفاظاً علی السلام والأمن و توفیر الرخاء الإقتصادي، علیه بناء علاقات قائمة علی التفاهم والثقة المتبادلة تخدم الطرفین. وإذا كانت صناعة الواقع و المشاركة في إدارة العالم مهمة تشترط القدرة علی الإبداع والتحول بخلق الوقائع وإنتاج الحقائق، فإن الحوار هي أحوج ما یحتاج الیه شعب كوردستان والعراق لكي یتحملوا تکالیف الحیاة السیاسیة والإجتماعیة بالحد الأدنی، المعقول أو المقبول.
وختاماً: نحن نستنکر الحرب كوسیلة من وسائل السیاسة القومیة أو الطائفیة لتدوم العلاقات السلمیة وأواصر الصداقة الکائنة بین الشعوب، وبالتأكید قوة شعب كوردستان الصامد و وحدة صفه یوصله الی حقوقه المشروعة.