إلغاء عقد مرفأ طرطوس يثير جدلاً حول مستقبل المشروعات الروسية في سوريا

2

ملكية غالبيتها تعود لشركات خاصة وشخصيات كانت مقربة من الأسد
عنصر في العمليات العسكرية السورية أمام مدخل قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية 29 ديسمبر (أ.ف.ب)
موسكو: رائد جبر
أثار قرار مدير جمارك طرطوس، رياض جودي، إلغاء العمل بالاتفاق المبرم مع شركة روسية بشأن إدارة مرفأ طرطوس جدلاً حول المغزى السياسي للخطوة، ومستوى تأثيرها على المشروعات الأخرى التي أُبرمت اتفاقيات بشأنها خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد مع شركات روسية.
ونقلت وسائل إعلام حكومية روسية الخبر، حتى قبل صدور تأكيد رسمي له على المستوى الحكومي في دمشق، في حين تباينت ردود الفعل الأولى بين إشارات من مصادر برلمانية إلى أن الخطوة لن تؤثر على مستقبل العلاقات بين موسكو ودمشق، وحديث مصادر مطلعة عن طبيعة العقود المبرمة، وأن غالبيتها تعود لشركات خاصة جزء كبير من أصولها تملكه شركات وشخصيات سورية كانت مقرّبة من الأسد.
وقال جودي في قراره إن المرفأ ستعود كل موارده لصالح الخزينة السورية، وأنه «ستتم إعادة العاملين إلى ملاكهم في المرفأ، إضافة إلى إعادة تأهيل آليات المرفأ المترهلة، وتجهيز المباني والساحات وتأمين العمال؛ لتلبية كل الحاجات وخدمة المرفأ».
غير أن تصريحاً نُشر قبل قليل نقلته صحيفة عن مصادرها في «منتدى دافوس»، قال فيه وزير الخارجية أسعد الشيباني، إن «سوريا تعتزم خصخصة المواني والمصانع المملوكة للدولة، ودعوة الاستثمار الأجنبي وتعزيز التجارة الدولية في إطار الإصلاح الاقتصادي».
سفينة «لاوديكيا» الروسية تصل إلى ميناء طرطوس (أرشيفية – سانا)
وكانت شركة «ستروي ترانس غاز» الروسية، قد وقَّعت مع النظام السابق عقد استثمار ميناء طرطوس التجاري في عام 2019 لمدة 49 عاماً، يُمدَّد تلقائياً لمدة 25 عاماً، ما لم يعترض أحد الطرفين (النظام السابق – روسيا).
وبدا في حينها أن الاستثمار التجاري للمرفأ مرتبط بالوجود العسكري الروسي في قاعدة طرطوس البحرية المجاورة للميناء.
ونص الاتفاق على «استثمار الشركة الروسية نحو نصف مليار دولار لتطوير البنى التحتية للمرفأ، وتجهيز مستلزمات التشغيل».
صورة بالأقمار الاصطناعية للقاعدة الروسية في طرطوس يوم 17 ديسمبر 2024 (ماكسار تكنولوجيز – رويترز)
واتضح لاحقاً عدم التزام الشركة الروسية ببنود العقد المتضمنة تطوير المرفأ، وأكدت السلطات الجديدة أن بنية المرفأ ما زالت على حالها. وقد يكون هذا السبب المباشر لاتخاذ قرار فسخ العقد. لكن اللافت هنا، أن القرار يفتح على أسئلة كثيرة حول مستقبل العقود الأخرى الضخمة التي وقَّعتها شركات روسية في سوريا، وبينها عقد ضخم لاستثمار قطاع الفوسفات أُبرم في عام 2017، وينص على صيانة مناجم الفوسفات وإعادة تأهيلها، وعلى حق استخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر، لفترة 50 سنة.
بجانب ذلك، حصلت شركات روسية على حق التنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية وبعض مناطق البادية السورية.
وقال النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما (النواب)، الروسي أليكسي تشيبا، إن سوريا ألغت اتفاقية الاستثمار مع روسيا في طرطوس؛ لأنه أصبح من الصعب على الشركة الروسية الوفاء بالتزاماتها. مؤكداً أن «هذا الأمر لا علاقة له بأي حال من الأحوال بالقواعد العسكرية الروسية في سوريا».
وصول باخرة روسية إلى ميناء طرطوس فبراير 2023 (سانا)
وأوضح النائب أن انهيار الاتفاق يعود إلى أن روسيا «في وقت ما تحملت مسؤولية الصيانة والصيانة المدنية في الميناء؛ لأننا قدمنا المساعدة. والآن انخفض حضورنا هناك بشكل حاد، ومن الواضح أنه أصبح من الصعب علينا الوفاء بالالتزامات التي تعهدنا بها. ولذلك؛ لا ينبغي ربط هذه المعلومات بقواعدنا العسكرية، فهذا أمر مختلف بعض الشيء».
صورة من الأقمار الاصطناعية للفرقاطة الروسية «الأدميرال غريغوروفيتش» أمام قاعدة طرطوس السورية 13 ديسمبر (شركة ماكسار تكنولوجيز – رويترز)
في هذه الأثناء، ظهرت معلومات تفيد بأن السلطات السورية سمحت بدخول ميناء طرطوس، لسفن شحن روسية كانت في البحر منذ أسابيع عدة تنتظر فتح الميناء. وقد دخلت سفينة النقل البحري «سبارتا 2» بالفعل إلى الميناء، بينما تنتظر السفينة الثانية دورها في البحر. ويبدو أن هذا الدخول سوف يسرع عمليات تحميل المعدات العسكرية التي بدأت روسيا نقلها من قاعدة طرطوس.
في المقابل، أوضح مصدر دبلوماسي روسي تحدثت معه «الشرق الأوسط» تفاصيل إضافية لافتة، حول شركة «ستروي ترانس غاز» والعقد المبرم لتشغيل ميناء طرطوس.
وقال المصدر إن الشركة الروسية خاصة وليست حكومية وأصولها مقسمة بالتساوي بين شركاء روس وسوريين. بذلك، يمتلك الجانب الروسي 50 في المائة من أسهمها بينما تمتلك الـ50 في المائة الأخرى واحدة من شركات «مجموعة القاطرجي» السورية المقربة من النظام السابق.
أسهم لـ«شركة قاطرجي»
وأوضح المصدر أن «الإجراء الذي اتخذته القيادة السورية المؤقتة حتمي، وهو سوف ينسحب على كل المشاريع في سوريا التي تم إبرام عقود بشأنها تحت غطاء أنها مشاريع بين الحكومتين السورية (السابقة) والروسية، لكن في الحقيقة تم ترتيبها عن طريق شركات خاصة ورؤوس أموال لمقربين من عائلة الأسد».
وزاد المصدر أن الشركة الروسية التي أبرمت اتفاقية مرفأ طرطوس استندت إلى ملكية نصف أسهمها لـ«مجموعة القاطرجي»، وكان يديرها رجل الأعمال محمد براء القاطرجي الذي اغتالته إسرائيل في غارة على موقع قرب الحدود اللبنانية العام الماضي. ووفقاً للمصدر، فإن القاطرجي كان يدير شركات عدة لصالح بشار الأسد، و«قام الأخير بتقديم تزكية مباشرة للشركة في مجلس الشعب السوري الذي أقرَّ بناءً على هذه التزكية عقد استثمار ميناء طرطوس».
طائرة عسكرية روسية تقترب من قاعدة حميميم الجوية على ساحل اللاذقية بسوريا في 14 ديسمبر 2024 (رويترز)
وأكد المصدر أن فسخ الاتفاق الحالي يعدّ تعاملاً منطقياً تجاه شركات خاصة لم تقم بتنفيذ التزاماتها وارتبطت بفساد النظام السابق، ولا يحمل انعكاسات على العلاقات الروسية السورية.
وزاد: «روسيا ليس ليس لديها أي مخاوف على مستقبل الاتفاقيات والمشاريع الروسية – السورية المشتركة في سوريا، وغالبية هذه المشاريع في السنوات الأخيرة مشاريع خاصة، والسوريون هم من يجب أن يقرروا مصيرها، لكن واضح أن الكثير من الشركات التي أنشئت لاغتناء رجال الأعمال المقربين أو الشركاء المسيطرين على النظام السابق نشاطها سينتهي، أو سيتم تحويل فوائدها لخدمة المصلحة العامة».
وأكد أن «الكثير من هذه القضايا ستتم مناقشتها بالتأكيد بين الجانبين الروسي والسوري، فوراً، بعد استقرار الوضع والانتقال من الوضع المؤقت إلى الوضع الأكثر استقراراً حسب ما تقرره القيادة الجديدة في سوريا».
ورأى أنه من السابق لأوانه بناء التقديرات كيف سيكون وضع التعاون وشكله في جميع المجالات، لكن «روسيا تؤكد دائماً حرصها على استمرار العلاقات التاريخية بين روسيا وسوريا وتطويرها، والآن في هذه المرحلة المؤقتة لدينا قنوات الاتصال المستمرة حسب متطلبات الوضع الحالي، خصوصاً دبلوماسياً وعسكرياً وأمنياً».
محطة حاويات في ميناء اللاذقية في سوريا (أرشيفية – سبوتنيك)
وأعرب عن ثقة بأنه «سيتم قريباً البدء في الاتصالات الرسمية وتبادل زيارات الوفود الرسمية الحكومية على المستويات والمجالات كافة، بحسب التقديرات الأولية سيتم ذلك خلال شهرين».
وأشار المصدر إلى أنه «نتيجة بعض القضايا الملحة في العلاقات الروسية – السورية هناك احتمال كبير أن يقوم وفد روسي رفيع المستوى بزيارة دمشق قريباً، وهذه القضية اليوم على طاولة اتخاذ القرار حول الموعد والترتيبات اللازمة».

التعليقات معطلة.