كتب المعلق في صحيفة “إندبندنت” باتريك كوكبيرن مقالا، يتحدث فيه عن أثر اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، وتصريحات الرئيس دونالد ترامب المهينة عن السعودية.
ويبدأ كوكبيرن مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، بالقول إن “النقاد على مدى نصف قرن تنبؤوا بسقوط آل سعود، وأكدوا هشاشة حكمهم، وفي كل مرة ثبت خطأ كلامهم؛ لأن المملكة حظيت بموارد مالية لا تنتهي ودعم أمريكي مستمر، وتجنبت أن تكون في طليعة القوة القتالية في الشرق الأوسط”.
ويشير الكاتب إلى أنه “تمت مناقشة نقاط الضعف والقوة للسعودية منذ وقت طويل، إلا أنها إن عرضتها للخطر، لم تكن أوضح مما كانت من خلال تزامن مسألتين مختلفتين يوم الثلاثاء، فأمام تجمع انتخابي في المسيسبي تحدث الرئيس ترامب بشكل قاس، ودون إثبات، عن اعتماد العائلة السعودية على الولايات المتحدة والثمن الواجب عليها دفعه”.
وتنقل الصحيفة عن ترامب، قوله: “نحن نحمي السعودية. هل يمكن أن نقول إنهم أغنياء؟ وأنا أحب الملك سلمان، لكنني قلت له: أيها الملك نحن نحميك وربما لم تبق في الحكم أسبوعين دوننا، وعليك أن تدفع مقابل الحماية”.
ويرى كوكبيرن أن “انفجارات كهذه من ترامب عادة ما تكون محسوبة أكثر مما تبدو، وهو يهين حلفاءه بهذه الطريقة إن كان يعرف أنه لن يتعرض لأي نقد”.
ويلفت الكاتب إلى أنه “أُضيفَ لتعليقات ترامب المزدرية لاستقرار السعودية حدث قبل ذلك بساعات، على بعد 6 آلاف ميل قبل ذلك في اسطنبول، فلم يظهر الصحفي المعروف جمال خاشقجي من قنصلية بلاده التي دخلها لإنهاء أوراق تتعلق بطلاقه وزاوجه القادم، ولم يشاهد خاشقجي منذ ذلك الوقت، وتقول السلطات السعودية إنه لا يزال داخل القنصلية، فيما يقول المسؤولون إنه ترك المبنى، مع أن كاميرات الرقابة لا تكشف أنه غادر مشيا، وإن كان قد غادر فربما في صندوق سيارة، وظلت خطيبته تنتظر خارج القنصلية”.
ويقول كوكبيرن إن “أكثر ما يمكن أن نأمله من الشجب الدولي هو ظهور خاشقجي من جديد، ونفي أن يكون قد احتجز أبدا، فقد كانت هذه هي تجربة اختفاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الغريبة العام الماضي، حيث اختفى وأعلن عن استقالته في أثناء زيارة للرياض، ثم عاد للظهور بسبب الضغط الفرنسي”.
ويجد الكاتب أن “مصير خاشقجي مهما كانت نتيجته يروي الكثير عن الوضع الحالي للسعودية، فلو احتجز قسرا، كما تقول الحكومة التركية، فإنه سيكون عملا أحمق يضر بالنفس، فيرفعه من مكانة مصدر إزعاج ثانوي إلى نجم، واستمرار لغز اختفائه يعني أن القصة لن تهدأ أبدا”.
ويقول كوكبيرن إن “الأيام لا تزال مبكرة لكن اختفاء خاشقجي أدى إلى فيض من التغطية الإعلامية السلبية عن السعودية ومحمد بن سلمان، وهذا كله متوقع، وما يثير الفضول عن التغطية هو فشل الأحداث الفظيعة، مثل الحملة العسكرية السعودية في اليمن، التي وضعت خمسة ملايين طفل يمني على حافة المجاعة، في أن تكون في مقدمة اهتمام الأخبار العالمية، فالذبح واسع، والبلد بعيد، ولم تتم تغطيته بشكل واسع حتى يتفاعل معه الناس ويلقى اهتمامهم”.
ويذهب الكاتب إلى أن “أمورا صغيرة، مثل اختفاء ناقد للحكومة السعودية في الوقت الذي كانت خطيبته تنتظر، أمر يسهل فهمه، بالإضافة إلى أن اختفاء الصحفيين يهدف لتحقيق هدف بسيط، وهو إسكاتهم واستفزاز الآخرين، فالقاعدة هي (دعهم يكرهوننا طالما ظلوا يخافون منا)”.
ويستدرك كوكبيرن بأن “ولي العهد كان يهدف إلى تغطية أكثر إيجابية من الإعلام الدولي، ولم تخب دائما توقعاته، خذ مثلا المقالة التي كتبها المعلق المعروف توماس فريدمان ونشرها في تشرين الثاني/ نوفمبر عن أربع ساعات قضاها معه، قائلا: (التقينا في الليل في بيت عائلته القصر المزخرف والمبني من الطوب في العوجة في شمال الرياض)، وقال إن السعودية تقف على حافة نسختها من الربيع العربي، التي (لن تغير فقط شخصية السعودية بل لهجة ومسار الإسلام حول العالم أيضا، وفقط هو الأحمق من يتوقع نجاح هذه الثورة، لكن الأحمق أيضا من لا يدعمها”.
ويعلق الكاتب قائلا إن “خاشقجي كان واحدا من هؤلاء الحمقى، الذين حاولوا الموازنة بين النقد البناء والمعارضة المباشرة، وبناء على رواية فريدمان عن الرأي العام السعودي، فقد كان صوتا وحيدا، (فعلى مدى الأيام الثلاثة التي قضيتها هنا، فإن كل من تحدثت معهم لم يعبروا عن أي شيء سوى دعم غير مقيد لهذه الحملة ضد مكافحة الفساد)، وهذه الرواية المثيرة للدهشة عن الإجماع، لم تمنع من سجن اقتصادي مثل عصام الزامل، الذي ألمح لمعارضة فاعتقل، ووجهت له اتهامات بالإرهاب والخيانة”.
ويقول كوكبيرن: “قد يجد صحفيو السيرة الذاتية في المستقبل صعوبة في بيع تقاريرهم عن السعودية في أعقاب فضيحة خاشقجي، وهناك من الذين دعموا السعودية بحماس يتخلون عنها، ونقل عن أحدهم وهو إليوت أبرامز قوله: (إما لا تزال السلطات السعودية تحتجزه في داخل القنصلية، أو أنها اختطفته ونقلته إلى السعودية)، وحذر من أن سمعة الحكومة السعودية الحالية ستتضرر بطريقة لا يمكن إصلاحها”.
ويرى الكاتب أن “الإصلاحات الاقتصادية في السعودية كانت دائما مجرد أضغاث أحلام، فالتشكك العميق هو النهج الصحيح تجاه أي تغيير راديكالي تدعمه حكومة بلد، تعتمد في مواردها على النفط وبقية المصادر الطبيعية، فمكافحة الفساد هي مجرد إعادة توزيع الغنيمة إلى العصابة الجديدة المرتبطة بالحيوانات المفترسة ذات الصلات الجيدة، في وقت ألف فيه معظم السكان الحصول على رواتب جيدة مقابل عمل القليل أو لا شيء، ويتم دعم الصناعة والزراعة المحلية بشكل كبير؛ لأنهما ليستا قادرتين على المنافسة، والنظام مناسب جدا، ولا يرى الكثيرون حاجة لاقتلاعه، والمعارضة للفساد ونظام الرعاية عادة ما تلقى علامة رضا، طالما لم تؤد إلى تضحية شخصية من أي نوع”.
ويعتقد كوكبيرن أن “مشكلات السعودية الاقتصادية خطيرة، لكنها ليست كارثية، لكن الأخطر على السعودية، هو المدى الذي صارت فيه تتصرف أكبر من قوتها في المنطقة، خاصة أن مغامراتها الخارجية في السنوات الثلاث الماضية ارتدت بآثار سلبية”.
ويجد الكاتب أن “قائمة الفشل مثيرة للدهشة: الحملة التي تقودها السعودية منذ عام 2015 ضد اليمن، التي لم تهزم الحوثيين، بل خلقت أكبر كارثة إنسانية على وجه البسيطة، وأدت الزيادة في دعم المقاتلين السوريين في العام ذاته إلى تدخل روسي، وسمحت لبشار الأسد بالاقتراب من تحقيق النصر، والمشاجرة مع قطر أضعفت ملكيات الخليج، أما المواجهة مع إيران فهي نزاع لا يمكن الانتصار فيه”.
ويختم كوكبيرن مقاله بالقول: “وكما اكتشف ميخائيل غورباتشوف بعد الأيام الأولى لمحاولة تغيير الاتحاد السوفييتي، فمن المتوقع أن تؤدي الإصلاحات إلى إغراق أنظمة الحكومة القائمة بدلا من تحسينها”.