على وقع التصعيد الميداني في غزة بين الجيش الإسرائيلي و”حماس”، انتهت الجولة الأولى من المفاوضات التي انطلقت اليوم الثلثاء في القاهرة بحضور مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز ورئيس “الموساد” ديفيد برنيع ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ومسؤولين مصريين “لبحث موقف التهدئة في قطاع غزة”. تأني هذه المفاوضات مع تزايد الدعوات الدولية لإسرائيل للتراجع عن هجومها المزمع على مدينة رفح المكتظة بأكثر من مليون نازح جنوب القطاع الفلسطيني. ومن بين أحدث التصريحات التي أعقبت جولة المفاوضات الأولى، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، إن “اتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس لا يزال ممكنا”.
تستمر لـ3 أيّام…في نهاية النهار التفاوضي الأول، أكّد مصدر مصري رفيع المستوى في تصريحات لقناة “القاهرة الإخبارية”، أن “أجواء اجتماع القاهرة الرباعي إيجابية”. ولفت إلى أن “المشاورات ستستمر على مدار الأيام الثلاثة المقبلة”، نافياً وجود خلافات بالاجتماع.
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن محادثات القاهرة انتهت والوفد الإسرائيلي في طريق عودته لإسرائيل.
أمّا القناة “12” الإسرائيلية، فقالت إن الوفد الإسرائيلي بقيادة رئيس الموساد غادر القاهرة من دون مؤشر على حدوث تقدّم. “مجاملة”في تفاصيل المشاركة الإسرائيلية، نقلت القناة “13” الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن “مشاركة الوفد في محادثات القاهرة كانت مجاملة تلبية لطلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن”. وأضاف المسؤول أن خلافات كبيرة حدثت داخل الحكومة الإسرائيلية سبقت توجّه الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة.
وكشفت إذاعة إسرائيل الرسمية عن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أوفد سكرتيره مع الوفد للتأكّد من تقيّد رئيس الموساد بتفويضه. وكان نتنياهو قد رفض مقترحاً لإبرام صفقة تبادل أسرى مع “حماس” أعدّه قادة الموساد والشاباك والجيش.
“طلب مبالغ فيه”إلى ذلك، نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤولين أن الرئيس الأميركي جو بايدن أبلغ نتنياهو أنّه قد يتعيّن على إسرائيل إطلاق سراح المزيد من المحتجزين مقابل كل أسير. وأضاف الموقع أن بايدن يتّفق مع نتنياهو على أن طلب “حماس” الإفراج عن آلاف الأسرى مبالغ فيه.
وأشار إلى أن نتنياهو أكّد أن إسرائيل مستعدّة لإطلاق سراح 3 محتجزين مقابل كل أسير كما حدث في الصفقة السابقة. من جهّته، لفت مسؤول فلسطيني إلى أن “الأطراف تبحث عن معادلة تكون مقبولة على حماس والتي تطلب بأن يكون هناك التزاماً من إسرائيل بإنهاء حربها وسحب قواتها من قطاع غزة حتى يكون التوقيع على اتّفاق ممكناً”.
وقال المسؤول إن “حماس” أبلغت المشاركين بأنها لا تثق في أن إسرائيل لن تستأنف الحرب بعد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين يحتجزهم المسلحون الفلسطينيون.
وألقى القيادي في “حماس” سامي أبو زهري بمسؤولية عدم إحراز تقدّم في جهود السلام حتى الآن على عاتق إسرائيل.
وقال أبو زهري لـ”رويترز”: “الاحتلال لازال يماطل ويتسبّب في تعطيل أي جهود للتوصل إلى اتفاق وهو فقط يمارس لعبة تضييع الوقت لمواصلة حرب الإبادة على شعبنا في غزة”. في السياق، أكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكنأإن واشنطن تقوم بكل ما في وسعها من أجل إعادة كل المختطفين الإسرائيليين إلى أسرهم، وقال: “الإدارة الأميركية تعمل مع مصر وقطر بشأن مقترح يقود إلى إطلاق سراح المحتجزين المتبقين في قطاع غزة”. اجتماعات وتشاوروذكرت الهيئة المصرية العامة للاستعلامات عبر موقعها الإلكتروني أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجرى محادثات في القاهرة مع مدير وكالة المخابرات المركزية ورئيس الوزراء القطري بهدف الاتفاق على هدنة في غزة وحماية المدنيين وتوصيل المزيد من المساعدات إلى القطاع.
وأضافت “تم تأكيد استمرار التشاور والتنسيق المكثف لتحقيق أهداف وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتفعيل حل الدولتين”، وهو ما يشير إلى عدم تحقيق انفراجة.
في وقت سابق، كشف مسؤول غربي أنّ “حماس” وإسرائيل أحرزتا تقدماً نحو اتّفاق يهدف للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. وأضاف الدبلوماسي أنّ “اجتماع اليوم سيكون حاسماً في سد الفجوات المتبقية لحمل الجانبين على الاتفاق على هدنة”.
وأوضح أنّ “هناك اتفاقاً مدته 6 أسابيع على الطاولة لكن هناك حاجة لمزيد من العمل للتوافق عليه”. وكانت هيئة البث الإسرائيلية (كان) قد ذكرت أنّ إسرائيل صاغت مسودّة جديدة من الاتفاق المقترح لإطلاق سراح الأسرى، لعرضها أمام اجتماع القاهرة. ووفقاً للهيئة، فإنّ المسودة الجديدة “تتمتع بقدر معين من المرونة من جانب إسرائيل، على أمل تحقيق انفراجة في المفاوضات”.
ضغوط متواصلة
ومع دخول الحرب بين إسرائيل و”حماس” شهرها الخامس، ينصب الاهتمام الآن على الوضع في رفح حيث يعيش حالياً نحو نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون في ظروف شديدة السوء، وفر كثيرون منهم من مناطق أخرى دمرها الهجوم الإسرائيلي.
وتقول إسرائيل إنها تعتزم القضاء على مقاتلي “حماس” الذين ينشطون في رفح وإنها تخطط لإجلاء المدنيين. ويقول مسؤولو إغاثة وحكومات أجنبية إنّه لا يوجد مكان يمكنهم الذهاب إليه، وشددت مصر على أنّها لن تسمح بنزوح جماعي للاجئين عبر حدودها.
وتحوّل جزء كبير من القطاع المكتظ بالسكان إلى أنقاض، حيث قُتل 28473 فلسطينياً وأصيب 68146 منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، بحسب مسؤولين بقطاع الصحة في غزة، والذين أعلنوا مقتل 133 فلسطينياً في آخر 24 ساعة.
وهناك اعتقاد بأن كثيرين غيرهم مدفونون تحت الأنقاض. وتنفد إمدادات الغذاء والماء وغيرها من الضروريات وتنتشر الأمراض.
وواصل الرئيس الأميركي جو بايدن والعاهل الأردني الملك عبد الله أمس الاثنين الضغط من أجل وقف إطلاق النار.
وقال بايدن لصحافيين في واشنطن: “تعمل الولايات المتحدة على التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن بين إسرائيل وحماس من شأنه أن يجلب فترة هدوء فورية في غزة لستة أسابيع على الأقل”.
وتم احتجاز الأسرى في الهجوم الذي شنه مسلحون من “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على جنوب إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص. وتأمين عودة الأسرى أولوية لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي تهدف أيضاً إلى القضاء على “حماس”.
وشدد العاهل الأردني على خطورة وضع الفلسطينيين، خاصة المحاصرين في رفح.
وقال: “لا يمكننا أن نقف متفرجين وندع هذا الوضع يستمر… ضرورة وقف إطلاق النار بشكل دائم الآن. هذه الحرب يجب أن تنتهي”.
إحباط ومخاوف
إلى ذلك، أبدى بايدن سخطاً آخذاً في التزايد حيال نتنياهو لعدم استجابته لنداءاته لبذل المزيد من الجهود في سبيل تقليل الخسائر البشرية وحماية المدنيين في غزة. وحثّ إسرائيل على عدم تنفيذ هجوم بري في رفح دون خطة لحماية المدنيين الفلسطينيين المتجمعين هناك.
والولايات المتحدة هي أقرب حليف لإسرائيل وأكبر مزوديها بالأسلحة، إذ تقدم لها مساعدات عسكرية بقيمة 3.8 مليار دولار سنوياً، وليس هناك ما يشير إلى أن واشنطن ستوقف هذه المساعدات. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنّ قطع المساعدات لن يكون “أكثر فاعلية من الخطوات التي اتخذتها واشنطن بالفعل”.
وأمر نتنياهو الأسبوع الماضي الجيش الإسرائيلي بوضع خطة لإجلاء المدنيين خلال أي هجوم بري. ورداً على سؤال حول هذه الخطط، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أمس إنّه لا يعرف حتى الآن كيف سيتم القيام بذلك.
وقال متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لايرك إنّ إسرائيل لم تتواصل مع المكتب بشأن خطة لإخلاء رفح سواء بشكل منفرد أو مشترك، مضيفا أن المكتب لن يشترك في أي إجلاء قسري حتى إذا تم التواصل معه بهذا الشأن.
ودعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إسرائيل لتوفير “ممرات آمنة” للمدنيين في رفح.
وخلال مؤتمر صحافي مع نظيرها الفلسطيني رياض المالكي في برلين قبل توجهها غداً إلى إسرائيل، قالت بيربوك: “لجأ مئات آلاف الأشخاص إلى رفح بأمر من إسرائيل، ويجب أن يستمر هؤلاء بالتمتع بالحماية” فيها.
وأضافت: “لا يمكن أن يختفي هؤلاء الآباء والأطفال والعائلات بكل بساطة. لا مكان يتجهون إليه، ليس جنوبا على كل حال”.
بدورها، أعلنت جنوب أفريقيا أنها قدمت طلباً عاجلاً إلى محكمة العدل الدولية للنظر في قرار إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية في رفح، وتحديد ما إذ كان يتطلب أن تستخدم المحكمة سلطتها لمنع المزيد من الانتهاكات لحقوق الفلسطينيين في غزة.
قصف وصلوات
ووسط القلق الدولي الآخذ في التزايد بشأن المآسي التي يعيشها المدنيون، أكد سكان أنّ دبابات إسرائيلية قصفت الجزء الشرقي من مدينة رفح خلال الليل رغم أنّ الهجوم البري المتوقع لم يبدأ بعد.
وقال الجيش الإسرائيلي إنّ قواته قتلت عشرات المقاتلين الفلسطينيين باشتباكات في جنوب ووسط قطاع غزة خلال آخر 24 ساعة، منهم 30 في خان يونس، وهي مدينة قريبة من رفح على حدود القطاع الساحلي مع مصر.
وأفاد مسؤولون بقطاع الصحة في غزة بأنّ ضربة إسرائيلية على منزل في مخيم النصيرات للاجئين وسط غزة أسفرت عن مقتل 16 فلسطينياً الليلة الماضية.
وقال سكان إنّ الدبابات الإسرائيلية تقدمت بشكل أكبر في خان يونس من الغرب والشرق مع استمرار القصف.
وأمرت القوات الإسرائيلية النازحين في بعض مراكز الإيواء بالتوجه إلى رفح. لكن دوي قصف الدبابات في شرق رفح تسبب بموجات من الذعر داخل مخيمات بدائية تؤوي النازحين.
وقالت آية، البالغة من العمر 30 عاماً، وتعيش في خيمة مع والدتها وجدتها وخمسة أشقاء: “منذ أن قالت إسرائيل إنها ستغزو رفح نصلّي صلواتنا الأخيرة كلّ ليلة… كل ليلة نقول وداعا لبعضنا البعض ولأقاربنا خارج رفح”.
وأضافت “إذا لم يتحل العالم ببعض الرحمة ويمنع إسرائيل من مهاجمة رفح، نعتقد أننا لن ننجو. أصوات القصف والانفجارات تقترب أكثر فأكثر”.