الجمعة – 17 صفر 1443 هـ – 24 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [15641]
أمير طاهريصحافيّ وكاتب ايرانيّ مثقّف لديه اهتمامات واسعة بشؤون الشّرق الاوسط والسّياسات الدّوليّةAA
النجاح. النصر. الإنجاز. الفوز… هذه بعض الكلمات التي ترددها وسائل الإعلام الإيرانية الخاضعة لسيطرة الدولة في وصف أداء إبراهيم رئيسي؛ الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية. وتتمثل الفكرة الرئيسية هنا في أن إيران خرجت لتوها من ثماني سنوات من الأنباء السيئة في ظل قيادة الرئيس حسن روحاني ومجموعة «صبية نيويورك» التابعة له، وتبدو إيران اليوم على استعداد لحقبة جديدة من الازدهار في ظل قيادة فريق رئاسي جديد.
أما النجاحات المزعومة؛ فتتضمن إقدام وزير الخارجية الجديد حسين أمير عبد اللهيان على خطوة دراماتيكية بشق طريقه عبر الصفوف الأولى لعدد من رؤساء الدول والحكومات المجتمعين في بغداد، متجاهلاً بذلك قواعد البروتوكول. وقد أثارت هذه الخطوة غضب كثيرين؛ بمن فيهم المضيفون العراقيون، لكنها قدمت للملالي الإيرانيين فرصة لادعاء أن قمة بغداد «أقرت جميع السياسات التي اقترحتها الجمهورية الإسلامية».
بيد أنه في واقع الأمر، لا يتضمن البيان الصادر عن القمة حتى ولو مقترحاً واحداً تقدمت به طهران؛ ذلك أن القمة اختارت الاستقرار والتعاون وخفض التوترات، في الوقت الذي حث فيه عبد اللهيان على «المقاومة» و«النضال» في مواجهة خصوم لم يسمهم.
أما «النصر» الثاني المزعوم؛ فقد جرى التهليل له حتى قبل أن يحدث. كان مقرراً أن يسافر الرئيس رئيسي إلى دوشنبه؛ عاصمة طاجيكستان، لحضور قمة «مجموعة شنغهاي»؛ مجموعة تعاون أمني تقودها الصين وروسيا. ونسجت وسائل الإعلام الإيرانية قصائد حول اللقاء المرتقب بين رئيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ونظراً لأن روسيا يجري تصويرها اليوم على أنها الحامي الرئيسي للجمهورية الإسلامية، فقد جرى وصف اللقاء المأمول بـ«التاريخي» حتى قبل أن يحدث. نهاية الأمر؛ لم يحدث اللقاء لاضطرار بوتين إلى عزل نفسه بعد اكتشاف عدد من الإصابات بوباء «كوفيد19» داخل الكرملين. وجاء «النصر» التالي عندما رفعت روسيا أخيراً «الفيتو» الذي تمسكت به طوال 16 عاماً في وجه نيل الجمهورية الإسلامية العضوية الكاملة في «مجموعة شنغهاي». وصورت الحاشية المحيطة برئيسي هذا الأمر على أنه انتصار عظيم للرجل الجديد في الرئاسة، والذي نجح حيث أخفق الرؤساء من قبله؛ محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد وروحاني.
ومع ذلك؛ فإن ما حدث في حقيقة الأمر كان أقل من «نصر»، فقد وافقت قمة دوشنبه على «تفعيل عملية العضوية الكاملة» للجمهورية الإسلامية؛ الأمر الذي قد يستغرق إنجازه أكثر من 5 سنوات.
ويتوافق القرار مع مجمل السياسة الروسية تجاه الجمهورية الإسلامية، التي تتمثل في تقديم وعود مبهرة مع الإبقاء على قيود محكمة على نظام طهران. ويمكن طرح قائمة طويلة من مثل هذه الحالات… على سبيل المثال؛ وعدت روسيا ببيع أسلحة لإيران، لكنها تتباطأ في تنفيذ ذلك. وفي بعض الحالات التي جرى فيها تسليم الأسلحة بالفعل، أعطت روسيا إيران أسلحة قديمة؛ بما في ذلك غواصات الديزل المتوقفة عن العمل في الوقت الحاضر وينخرها الصدأ داخل خليج عمان.
أيضاً؛ وعد بوتين بفتح طريق تجارية جديدة، تحمل اسم «طريق فولغا – قزوين»، وذلك بهدف تيسير النشاطات التجارية الإيرانية مع أوروبا، والالتفاف على العقوبات الأميركية.
ومن جديد، نجد أن كل ما حدث على أرض الواقع هو منح إيران القدرة على الوصول إلى ميناء صغير على الشواطئ الشمالية لبحر قزوين، والذي، حتى لو عمل بكامل طاقته، فليس بمقدوره سوى إدارة حجم صغير من التجارة الثنائية.
أيضاً؛ جرى الترحيب بوعد موسكو بـ«التعاون» لمساعدة إيران في حل مشكلاتها المتعلقة بمجال الخدمات المصرفية الدولية؛ على أنه «نجاح»، لكن الملاحظ أن الاتفاق الذي جرى توقيعه في موسكو، الأسبوع الماضي، يشوبه الغموض، وحال اتباع التفسير الأمثل له، فإنه سيبقى عاجزاً عن تخفيف وطأة القيود المفروضة على التجارة الدولية لإيران بسبب العقوبات الأميركية.
وكذلك جرى الترحيب بدعوة رئيسي إلى «التفعيل العاجل للشراكة الاستراتيجية مع الصين» على أنها «نجاح كبير»، رغم أن بكين تفضل، على ما يبدو، إبقاء الجمهورية الإسلامية تحت المراقبة لفترة أطول. بجانب ذلك، لا يوجد أي مؤشر على أن الصين ستفرج على الأقل عن بعض من الأصول الإيرانية المجمدة في البنوك الصينية، والبالغة قيمتها 22 مليار دولار.
يتمثل نجاح آخر مزعوم في أن رئيسي سيتوجه إلى نيويورك لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقضى ذلك على المخاوف من أنه قد لا يحصل على التصاريح اللازمة، أو حتى يواجه بعض المضايقات، بسبب ما يعرف بـ«مبدأ الكفاءة العالمية»، وذلك بسبب ما قيل عن التورط في محاكمات جماعية في طهران خلال ثمانينات القرن الماضي.
وبالمثل؛ جرى التهليل لقرار جامعة دوشنبه منح الدكتوراه الفخرية لرئيسي، على أنه «نجاح» يحسب للرئيس الجديد. وانتشرت صور لرئيسي وهو يرتدي الزي الأكاديمي، مع الإشارة له بلقب «دكتور» الذي يستخدمه بجانب لقب «آية الله». إلا إن بعض الألسنة الشريرة عمدت إلى تذكير العامة بأن رئيس دولة إسلامية أخرى؛ أشرف غني رئيس أفغانستان، سبق رئيسي في نيل هذا التكريم من جامعة دوشنبه.
ويزعم فريق العمل المعاون لرئيسي أنهم «أنقذوا لبنان» من خلال إرسال كميات من النفط عبر سوريا.
أيضاً؛ جرى الإعلان عن موافقة العراق على إلغاء التأشيرات للإيرانيين الذين يسافرون إلى العراق جواً، وتصويره على أنه «انتصار»، رغم أنه لن يستفيد منه سوى نحو اثنين في المائة من الإيرانيين الذاهبين لزيارة العتبات سنوياً. وتبدو هذه المحاولات الحثيثة من جانب رئيسي وفريق العمل المعاون له لاستغلال أي خبر قد يبدو إيجابياً، مفهومة تماماً في وقت تعصف فيه بإيران كارثة وباء «كوفيد19»، ويتداعى الاقتصاد، وتشتعل مظاهرات هنا وهناك من جانب أفراد من الشعب، من الواضح أنهم محبطون إزاء الإخفاقات المتكررة من جانب قيادة مولعة بالآيديولوجيا.
يذكر أن الرئيس السابق روحاني سار على نهج الرئيسين رفسنجاني ومحمد خاتمي، وسعى خلف وهم إمكانية الوصول إلى صفقة كبرى مع الولايات المتحدة. ووصف الولايات المتحدة بأنها «زعيم القرية العالمية»، وادعى أن إبرام اتفاق معها سيضع حلاً لجميع مشكلات إيران. ومع أن هذا الوهم ربما تحطم الآن، فإنه يجري استبدال وهم آخر به، يدور حول فكرة أن عقد تحالف مع روسيا من شأنه تحقيق المعجزة التي لا يزال يأمل في حدوثها «المرشد الأعلى» آية الله علي خامنئي.
لقد تسبب «الوهم الأميركي» الذي سيطر على رفسنجاني وخاتمي وروحاني في إلحاق ضرر كبير بإيران، وذلك بصورة أساسية من خلال تعزيز الاعتقاد بأن حل مشكلات إيران لا يمكن العثور عليه إلا خارج إيران. الآن، يجري الاستبدال بهذا الوهم؛ «الوهم الروسي» الذي يقوم على المنطق ذاته.
ومع ذلك، لن تكون الولايات المتحدة ولا روسيا ولا الصين ولا أي قوة أخرى على استعداد لتأييد نظام يحاول العيش في عالم خيالي يغزو فيه الفكر الخميني الشرق الأوسط ويمحو إسرائيل من الخريطة ويقود جهود بناء «عالم من دون أميركا».
من جانبهما؛ بذل الرئيسان الأميركيان بيل كلينتون وباراك أوباما قصارى جهديهما لمساعدة النظام الخميني في ترسيخ وجوده، لكنهما لم يكونا مستعدين في نهاية الأمر لتأييد أوهامه. أما الرئيسان بوتين وشي، فيتعاملان مع إيران بوحشية من خلال إبقائها على جهاز التنفس الصناعي، واستنزاف أكبر مكاسب ممكنة من ورائها، لكنهما لا يقبلان مطلقاً بها شريكاً استراتيجياً مكافئاً. وقد تطلب الأمر 24 عاماً من الثلاثي رفسنجاني – خاتمي – روحاني، كي يدركوا هذا الأمر. والآن؛ أمام رئيسي 4 سنوات ليلحق بهم.