لم تكتف إيران بعواصم المشرق العربي، بل زحفت نحو مدن الأكراد الذين حاولوا تحدي سيطرتها على العراق، وها هم يصلون مشارف أربيل، بعد كركوك والمناطق المتنازع عليها.
ويبدو أن نجاح سليماني في الحصول على تأييد جناح كبير من حزب طالباني، شجعه على المضي وبأقدام ثقيلة لتصل قوات الحشد لتخوم أربيل الجنوبية.
علاقة الطالبانيين بطهران قديمة وممتدة لعشرات السنين، لكن انحياز الجناح الموالي لطهران إلى هذا الحد بتسليم كركوك، أدى لشق الصف الداخلي الكردي، ووجه ضربة كبيرة لمشروع كردستان، بحيث حذر بارزاني من حرب أهلية.
هكذا اذن، تبني إيران حلفاءها الأوفياء، وتستفيد منهم في اللحظات الفارقة لتعزيز نفوذها، بين العرب تستقطب الشيعة، وبين الكرد تستميل من سيصبحون متشيعين سياسيا لها، بحيث مكنوها من السيطرة على مساحات واسعة، دون أن تنفق جهدا حربيا مكلفا، على الرغم من وجود قيادات من الاتحاد الوطني الكردستاني موالية لبارزاني أكثر من جناح عائلة طالباني، ككوسرت رسول.
لم تكن خطوة التصعيد العسكرية هذه، تجاه كردستان مفاجئة، فقد تواصلت التصريحات والمواقف من القوى والميليشيات الشيعية المهددة بإسقاط بارزاني، وآخرها كان من قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق ونوري المالكي، اللذين تحدثا عن انتهاء التحالف الشيعي الكردي وصعدا من نبرة العداء ضد أربيل، فمن الواضح أن إيران بعد أن قلصت من خطر تنظيم «الدولة»، لن تسمح بعضو غير منسجم في مستعمراتها الجديدة، لذلك سعت سريعا لوأد هذا الطموح البارزاني، مستعينة بحزبه الشقيق، وبتأييد من حليفه السابق، تركيا، إضافة لموقف أمريكي لم يكن مفاجئا، ينسجم مع محدودية الدور الأمريكي في العراق، وانسحابه التدريجي من المنطقة لصالح القوى الإقليمية الصاعدة.
لم يكن هذا الهجوم ليحدث خلال سيطرة تنظيم «الدولة» على الموصل، إذ كان التركيز وقتها على توحيد الصفوف الكردية والشيعية ضد العدو المشترك، لكن كثيرين دقوا أجراس الخطر حينها، عندما بدأ التساؤل عن مصير العلاقة بين أربيل وبغداد، بعد طرد التنظيم من الموصل، حذر البعض من أن الهدف المقبل لمليشيات الحشد وإيران، بعد الموصل، هو تطويق بارزاني وتحجيم المشروع الكردي، وهذا ما حصل. ويدور الآن حديث عن أن التوغل في كردستان قد يفضي إلى تقسيمها بين إقليمين، واحد موال لطالباني في السليمانية والآخر لبارزاني في أربيل، أربيل التي بات الحشد الشعبي على تخومها الجنوبية، تحركات تنسجم مع ما يتداول من تسريبات عما ورد في اجتماع قاسم سليماني مع قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إذ قال لهم «في الأسابيع المقبلة، سيصبح بارزاني رئيس حزب فقط أو عشيرة».
معلومات إن صدقت، تعني أن الطالبانيين يمضون قدما للاستعانة بإيران ضد بارزاني، كما فعل هو عندما استعان بجيش صدام حسين لطردهم من أربيل عام 1996.