محمد محسن أبو النور
يخبرنا التاريخ القديم بحقيقة الواقع وسيناريوهات المستقبل، هذه هى القاعدة الاستراتيجية التى تنطبق بشكل يشبه التطابق على موقفى إيران وقطر تجاه أفريقيا، وكما هو معرف فى السياستين الخارجيتين لدى طهران والدوحة تلك اللتين تستهدفان التغلغل فى أعماق القارة السمراء لأهداف معقدة أبعد بكثير من شعارات تنمية التجارة البينية والتنسيق المشترك وغيره.
ففى عصور ما قبل التاريخ كان ملوك وأكاسرة إيران يستأجرون قبائل مرتزقة من الضفة الغربية للخليج العربى فى حروبهم ضد الأمم الأخرى، والمفارقة الكبرى فى هذه الحقيقة التاريخية الثابتة أن تلك القبائل كانت تسكن الأراضى القطرية الحالية؛ بما يعنى أن النظام القطرى الراهن ليس سوى امتداد لحكام قبائل من المرتزقة تنفذ إستراتيجيات الفرس منذ نحو 2500 عام وحتى الآن.
والسؤال الآن: ما علاقة هذه الظاهرة بتوجه إيران وقطر صوب القارة الأفريقية؟ الإجابة بسيطة إذا تتبعنا السلوك الإيرانى ـ القطرى المتناغم نحو الذهاب إلى أعماق القارة الإفريقية لاسيما فى تلك الدول التى تحتل مواقع جيوستراتيجية حساسة، لها تأثير بالغ على السياسات الدولية ليس فى القارة فحسب، بل فى العالم كله.
ففى نهايات الشهر الماضى قام أمير قطر، تميم بن حمد آل ثانى، بزيارة إلى غربى القارة الأفريقية وشملت عدداً من الدول، وهى مالى وبوركينا فاسو وساحل العاج وغانا وغينيا والسنغال.
نظرة سريعة على خريطة القارة من خلال موقع جوجل إيرث تعطى انطباعا عن أن رغبة قطر فى الانخراط بهذه الدول الواقعة فى منطقة واعدة بثروة نفطية عظمى تنافس فى أسواق النفط، تؤكد أن الزيارة تتعدى الأهداف التجارية والسياسية إلى أهداف أخرى تتعلق بدعم الإرهاب.
فى زياراته إلى تلك الدول حاول الأمير تميم أن يبدو رجل دولة، وتكبد العناء من أجل أن يظهر فى صورة حاكم وليس مجرد أداة لتحقيق إستراتيجية فارسية، ولذلك وقع اتفاقات اقتصادية شملت مختلف المجالات، وروج جهازه الإعلامى إلى أن ذهاب الدوحة إلى غربى القارة يمثل مرحلة جديدة فى العلاقات العربية ـ الإفريقية.
الأكيد فى تلك الحالة أن إيران وقطر باعتبار أنهما يشتركان فى أكبر حقل غازى فى العالم (يسمى فى قطر حقل الشمال وفى إيران حقل بارس الجنوبى)، يريدان دعم الجماعات الانفصالية والإرهابية فى هذا الإقليم، لا لشىء سوى للتأثير على حركة الملاحة والتجارة وجعل المنطقة محل شك أمنى بالنسبة للشركات العظمى العاملة فى مجالات التنقيب عن الطاقة، والهدف من ذلك بسيط الاحتفاظ بموقعيهما فى صدارة الدول المنتجة والمصدرة للغاز وحرمان الشعوب الأخرى من أى فرص للتنمية حتى لو كانت تبعد عنهما آلاف الأميال.
لذلك طالعنا فى وكالات الأنباء العالمية وفى الصحف الدولية عشرات الأخبار عن انتشار عمليات القرصنة والسطو على المراكب المحملة بالبضائع من وإلى تلك المنطقة (إقليم خليج غينيا فى غربى إفريقيا)، وعليه لم يعد صعبا لدى المراقبين لتطورات المواقف، فهم أسباب تزامن الذهاب القطرى ـ الإيرانى إلى غربى إفريقا وانتشار تلك العمليات الإجرامية.