عندما يتم الحديث عن محور المقاومة الذي تقوده إيران، تتبادر إلى الأذهان صورة المواجهة المباشرة مع إسرائيل. غير أن هذه الصورة النمطية لا تعكس بالضرورة الواقع الكامل لهذا المحور ولا تكشف حقيقة الأهداف الاستراتيجية التي تقف وراءه. بعيدًا عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل، تقود إيران هذا المحور ليس بهدف الدفاع عن القضية الفلسطينية أو مواجهة إسرائيل، بل لتعزيز معادلة نفوذها الإقليمية التي استفادت منها لعقود، والتي تأسست بعد الثورة الإسلامية عام 1979.
معادلة 1979: نقطة الانطلاق
في عام 1979، شهدت المنطقة العربية حدثًا فارقًا تمثل في الثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه. منذ ذلك الحين، قامت إيران بترسيخ نظام جديد يحمل طموحات توسعية ونفوذًا يتجاوز حدودها الجغرافية. تحولت إيران من دولة تتبع خطًا سياسيًا معتدلًا إلى قوة إقليمية تسعى لتحقيق نفوذ أوسع في المنطقة، على حساب الأنظمة العربية التقليدية. جاءت هذه التحولات بالتزامن مع مرحلة من إعادة تشكيل المنطقة سياسيًا وأمنيًا وفق مخططات دولية، وصهيونية، بدعم أمريكي غير معلن ولكنه ملموس.
دعم أمريكي غير مباشر: الحماية الاستراتيجية
رغم العداء الظاهر بين إيران والولايات المتحدة، نجد أن المعادلة التي تأسست بعد عام 1979 خدمت مصالح إيران بشكل كبير. الولايات المتحدة، التي نظمت إسقاط نظام البعث في العراق عام 2003، مكنت إيران من بسط نفوذها في العراق وتوسيع دائرة تأثيرها في المنطقة العربية. ورغم الضغوطات الاقتصادية والعقوبات التي فرضت على إيران، إلا أن واشنطن لم تسع بجدية إلى تغيير تلك المعادلة الإقليمية التي تكرس النظام الإيراني.
السبب وراء هذا الدعم الضمني يكمن في رغبة الولايات المتحدة في إبقاء إيران كعنصر موازن للنفوذ العربي التقليدي في المنطقة. فعلى الرغم من التحالفات العربية الأمريكية الوثيقة، يبدو أن واشنطن تفضل وجود قوة إقليمية أخرى قادرة على تحقيق توازن في المنطقة، خاصة في مواجهة الحركات الشعبية العربية التي قد تعكر استقرار الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة.
محور المقاومة: حماية المصالح الإيرانية
إيران نجحت بدقة في تنفيذ مخططاتها عبر ما يُعرف بمحور المقاومة، والذي يشمل دولًا وحركات مسلحة في لبنان، سوريا، العراق، واليمن. وعلى الرغم من أن الشعار المعلن لهذا المحور هو مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين، فإن الواقع يشير إلى أن إيران تستخدم هذه الحركات للحفاظ على معادلة النفوذ الحالية التي تخدم مصالحها في العالم العربي.
على سبيل المثال، دعم إيران لحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين يعزز قدرتها على المناورة إقليميًا ويمنحها أوراق ضغط قوية في أي مفاوضات دولية. هذه الحركات المسلحة، رغم مواجهاتها المتكررة مع إسرائيل، لا تشكل خطرًا وجوديًا عليها بقدر ما تعمل على تعزيز نفوذ إيران في المنطقة وتقويض نفوذ الدول العربية التقليدية.
التحالف الدولي والصهيونية العالمية
يتهم البعض إيران بأنها تنفذ المخططات الصهيونية العالمية بشكل غير مباشر. فبدلًا من أن تكون طليعة في مواجهة إسرائيل، نجد أن سياساتها الإقليمية تسهم في تفكيك الجبهة العربية وتعزيز الانقسامات الطائفية والسياسية التي تخدم في نهاية المطاف مصالح إسرائيل. الانقسام العربي، وتراجع الدور العربي الإقليمي، ساعد في تقوية إسرائيل وزيادة نفوذها دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة مع إيران.
هل ترغب أمريكا في تغيير المعادلة؟
يبقى السؤال الجوهري: لماذا لم تسع الولايات المتحدة حتى الآن إلى تغيير هذه المعادلة التي تأسست منذ عام 1979؟ يبدو أن الجواب يكمن في رغبة واشنطن في استمرار الوضع الراهن، حيث تُعتبر إيران قوة إقليمية لا يمكن الاستغناء عنها في الحفاظ على التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط. وهذا التوازن يخدم، بشكل أو بآخر، المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء.
في نهاية المطاف، يظل محور المقاومة بقيادة إيران وسيلة للحفاظ على معادلة النفوذ الإقليمي، أكثر منه جبهة في مواجهة إسرائيل .