رفضت مصر الخطوة التي اتخذتها إثيوبيا، الثلثاء، بتوقيع اتفاق مع إقليم “أرض الصومال”، يتيح لها استخدام ميناء بربرة المطل على البحر الأحمر في إقامة قاعدة عسكرية وتجارية بطول 20 كيلومتراً. وقد ركزت القاهرة في بيان أصدرته وزارة خارجيتها على “ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية”، وأشارت كذلك إلى التوترات التي يمكن أن يحدثها مثل هذا الاتفاق في منطقة القرن الأفريقي ودول القارة التي تشهد تزايداً في الصراعات والنزاعات.
ومع أن القاهرة لم تشر في بيانها الرسمي إلى التأثيرات التي يمكن أن يحدثها الوجود الإثيوبي على الملاحة في البحر الأحمر، ومرور السفن من قناة السويس خاصة، إلا أن بعض المحللين والخبراء يرون أن الخطوة التي اتخذتها إثيوبيا سيكون لها أثر على الملاحة في ذلك البحر الذي تطل عليه 9 دول.
ويقول الدكتور الربان منتصر الدسوقي الخبير البحري الدولي لـ”النهار العربي”: “لا ريب في أن وجود إثيوبيا في البحر الأحمر الذي يمر منه قرابة 80 في المئة من التجارة العالمية، سيكون له تأثير على مضيق باب المندب، وليس قناة السويس فحسب، فثمة 9 دول مطلة على البحر الأحمر، وهي: مصر، والسودان، والصومال، وإريتريا، وجيبوتي، واليمن، والسعودية، والأردن، وإسرائيل، ومن ثم فإنه ليس كل من يمر من باب المندب يعبر قناة السويس، وكل تلك الدول والتجارة العالمية سوف تتأثر دون شك، خصوصاً أن هذا الإقليم الصومالي كان معقلاً ينطلق منه القراصنة، واتفاق إثيوبيا مع إقليم انفصالي مثير للقلق”.
اتصالات مصرية
بينما يؤكد خبراء ومحللون أن العديد من الدول سوف تتأثر، وقد تجلى هذا في البيانات التي أصدرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، إلا أنه لا شك في أن العلاقة المتوترة بين القاهرة وأديس أبابا، تجعل الكثير من المصريين يتخوفون من التحركات الإثيوبية، خصوصاً أنها تأتي بعد أسابيع قليلة من إعلان القاهرة انتهاء المسار التفاوضي مع أديس أبابا بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي، الذي تخشى مصر على أن يؤثر على حصتها في مياه نهر النيل التي توفر قرابة 90 في المئة من مواردها المائية الأساسية.
ويقول السفير إبراهيم الشويمي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لـ”النهار العربي”: “إن ما وقعته إثيوبيا هو مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، وهذا يعني أنها ليست اتفاقاً نهائياً بل إنها خطوة قابلة للتنفيذ أو عدم التنفيذ”، لافتاً إلى أن “إثيوبيا تتحرك تحركات غير قانونية، وهذا غير مطلوب”.
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يصافح رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي
ويؤكد الدبلوماسي المصري أن “القاهرة لها اتصالات جيدة مع الصوماليين بجميع أطيافهم، حتى مع أرض الصومال”، ويتفق الشويمي مع أن الوجود الإثيوبي سيكون له تأثير على مضيق باب المندب، ويقول “هذا مكان مهم، والإثيوبيون يرغبون في إقامة قاعدة عسكرية، وكذلك ميناء تجاري… لن يكون لإثيوبيا سلطة قانونية على تلك المنطقة، لكن يمكن أن يكون لها تأثير مثلما للحوثيين تأثير”.
توتر مرتقب
وثمة مخاوف من أن الهجمات التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران على بعض السفن التي تمر بالبحر الأحمر، منطلقين من الأراضي اليمنية على الضفة الشرقية للبحر، قد تتكرر على الضفة الغربية، مع وجود إثيوبيا في تلك المنطقة التي ينشط فيها القراصنة منذ سنوات، وكذلك ثمة توقعات بأن حركة “الشباب” الجهادية، التي يشير البعض إلى أن لها روابط مع القراصنة قد تنشط هي الأخرى.
تؤثر التوترات في البحر الأحمر على التجارة العالمية بدرجة كبيرة.
ويقول الخبير البحري إن “القراصنة الذين يهددون سفن الملاحة في البحر الأحمر، كانوا ينطلقون من هذا الإقليم الانفصالي، ومن ثم فإن اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال، هو بمثابة إعلان عن أنها سوف تتسبب في توتر، وسيكون هذا التوتر حاداً، لذا فإن مصر ليست وحدها من سيتدخل، ولكن ربما المجتمع الدولي الذي يخشى على التجارة العالمية. المساحة التي تريد أن تتسلمها أديس أبابا من هذا الإقليم الانفصالي هي مساحة كبيرة، وهذا يعني أن التوتر سيكون شديداً، ولا أعتقد أن العالم سيوافق على هذا”.
أما عن مدى تأثر قناة السويس، فيقول: “لا تزال معدلات عبور قناة السويس طبيعية. قد يكون هناك تأثير على عائداتها، وهذا سببه التأخير في المرور، وذلك بسبب أنه حين تحدث توترات عسكرية في مناطق معينة، فإن الشركات المالكة للسفن تعطي أوامر بإبطاء مرورها كي تحل المشكلات التي تطرأ مع شركات التأمين بسبب تلك التوترات، وكي يطمئنوا بأن سفنهم والبضائع المحملة عليها مؤمن عليها، لأنها تكون بمبالغ طائلة، تقدر بمئات ملايين الدولارات… لذا فما يحدث هو تأخير في التحصيل، وليس تأثيراً يذكر في معدلات مرور السفن، وأما بالنسبة للتحركات الإثيوبية فإنها لن تؤثر على قناة السويس فحسب، ولكن على التجارة العالمية كلها”.