“نقف على بعد خمس دقائق أو خمس ثوان من خط النهاية” حسب تصريح الموفد الروسي إلى فيينا ميخائيل أوليانوف يوم الأحد أمام مجموعة من المراسلين.
لكن إذا كانت التقارير الصادرة عن آخر جولة من المحادثات صحيحة فقد تقف إيرن وروسيا على بعد خمس دقائق من خط النهاية الاستراتيجي بالنسبة إليهما، بينما تقف الولايات المتحدة وحلفاؤها على بعد خمس دقائق من الكارثة وفقاً للمستشار البارز في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات ريتشارد غولدبيرغ.
مئات المليارات… وأكثر
كتب غولدبيرغ في موقع “ذا ديسباتش”، أن الموفد الخاص للشأن الإيراني روبرت مالي طلب مساعدة موسكو في صياغة شروط قد تجد قبولاً أكبر لدى الملالي بعد تسريع إيران برنامجها النووي بالرغم من تراجع إدارة بايدن عن حملة الضغط الأقصى. بموجب اتفاق جديد، قد تحصل إيران على 275 مليار دولار بفعل تخفيف العقوبات خلال العام الأول على إبرام الاتفاق وتريليون دولار بحلول 2030 بما فيها رفع العقوبات المتصلة بالنشاطات الإرهابية والمفروضة على أكبر ممول لمجموعة أعاد بايدن التأكيد مجدداً على أنها منظمة إرهابية: الحرس الثوري.
لن تواجه طهران أي تغييرات في بنود الغرب، وسيسمح لها الاتفاق بإبقاء ترسانتها من أجهزة الطرد المركزي الجديدة في التخزين بما يضمن للنظام القدرة على اجتياز العتبة النووية ساعة يشاء. كما في اتفاق 2015، لن تواجه إيران أي قيود على تطوير الصواريخ ذات القدرات النووية أو على نشرها الإرهاب على امتداد الشرق الأوسط أو على انتهاكها لحقوق الشعب الإيراني. والأسوأ من ذلك أن إيران ستفوز بجميع هذه المكاسب بينما تخطط بشكل نشط لاغتيال مسؤولين أمريكيين سابقين مثل مايك بومبيو وجون بولتون وبراين هوك واختطاف وقتل الصحافية الإيرانية-الأمريكية مسيح علي نجاد من عن الأراضي الأمريكية.
أمريكا ستفك عزلة روسيا
في هذه الأثناء، تابع الكاتب، ستحصل روسيا على مليارات الدولارات لبناء منشآت نووية إضافية في إيران ومنشآت محتملة أخرى لتخزين المواد النووية. مصير العقوبات الأمريكية التي تمنع نقل الأسلحة الروسية إلى إيران يبقى غير معروف بالرغم من تقارير البنتاغون التي تشير إلى اهتمام طهران بشراء مقاتلات ودبابات وأنظمة دفاعية من موسكو. عند هذه النقطة توقف الاتفاق في مارس (آذار). والعلاقات الاستراتيجية بين روسيا وإيران نمت منذ ذلك الحين.
ذكرت التقارير أنه بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيران الشهر الماضي، بدأت طهران تنقل مسيّرات مسلحة إلى روسيا كي تستخدمها ضد أوكرانيا. ويوم الثلاثاء، أطلق بوتين قمراً اصطناعياً إيرانياً إلى المدار بشرط استخدامه من قبل روسيا في عملياتها الأوكرانية حسب الأنباء. مع تصاعد العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا وخصوصاً على مبيعاتها في مجال الطاقة، قد يرى بوتين مكسباً صافياً في رفع العقوبات عن القطاعات المالية والتجارية في إيران.
بينما قد تنتج عودة الخام الإيراني إلى الأسواق العالمية انخفاضاً متواضعاً في أسعار النفط مما يقلل عائدات روسيا، قد تكون الأخيرة قادرة على تجنب العقوبات الأمريكية الثانوية عبر توجيه التعاملات الأساسية إلى طهران. في نهاية المطاف، ما الذي ستفعله إدارة بايدن إذا سمحت إيران لروسيا باستخدام بنوكها وشركاتها الكبيرة لتخطي العقوبات الغربية؟ أجاب الكاتب على السؤال الذي طرحه عبر الإشارة إلى أن طهران ستهدد بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم مما يوفر مخرجاً لبوتين من الخناق الاقتصادي الذي يواجهه.
اتفاق الألفية… لا يكفي إيران
بالرغم من أن واشنطن تقدم لطهران اتفاق الألفية، عملت إيران وروسيا ببراعة على طلب المزيد من التنازلات. أعلنت إيران أنها لن تقبل بأي اتفاق إلا في حال شطبت أمريكا الحرس الثوري عن قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الإجنبية. عقب رد فعل عنيف من الكونغرس وعائلات ذوي النجمة الذهبية، رفض بايدن طلب إيران. الشهر الماضي، وقبيل المحادثات النووية في الدوحة، اقترحت طهران تسوية: رفع العقوبات عن أكبر تكتل تجاري تابع للحرس الثوري: شركة خاتم الأنبياء. بعكس تصنيف الحرس، لم يرفض الجانب الأمريكي علناً هذا الطلب. لم تعاود هذه المسألة الظهور خلال الأسبوع الماضي في فيينا ويبدو أن وضعها لا يزال مجهولاً.
إنذار جديد
أضاف غولدبيرغ أن إيران وصلت إلى النمسا حاملة إنذاراً جديداً: وقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقات عمرها قرابة أربعة أعوام في منشآت نووية سرية ومواد لم تصرح عنها طهران إلى الوكالة. كان من المفترض أن تكون إيران شفافة حيال عملها السابق على الأسلحة النووية كشرط مسبق لإبرام اتفاق 2015 لكن الأخير حدد موعداً نهائياً مصطنعاً تاركاً لتقرير روتيني صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إفساح المجال أمام مضي الاتفاق قدماً غاضاً الطرف عن الخداع الإيراني.
لكن في 2018، اكتشفت إسرائيل أن إيران كانت تخفي أرشيفاً للأسلحة النووية عبارة عن مكتبة لعمل النظام على بناء أسلحة نووية مع مذكرات تشير إلى أن إيران خططت للعودة إلى التسليح في المستقبل. وبحلول 2021، أدرك العالم أن المفتشيين الأمميين اكتشفوا أربع منشآت نووية غير مصرح عنها داخل إيران حيث أتت نتيجة التدقيق عن وجود اليورانيوم إيجابية في ثلاث منها. وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية التجارية أن إيران قامت بالتعقيم ونقلت تجهيزات إلى داخل مستوعبات في اثنتين منها على الأقل في محاولة لإخفاء مسارها.
حماقة
وفي تقرير مزلزل إلى مجلس المحافظين التابع للوكالة الدولية، كشف المدير العام للوكالة رافاييل غروسي في نهاية مايو (أيار) أن إيران كانت تنتهك موجباتها وفقاً لمعاهدة الحد من الانتشار النووي بالإبلاغ عن وجود مواد ونشاطات نووية. في يونيو (حزيران)، دعمت واشنطن وحلفاؤها قراراً شاجباً يحض إيران على التعاون الكامل مع التحقيقات الأممية والإجابة على جميع الأسئلة العالقة. وفقاً لغروسي، إن إجابات إيران لغاية اليوم ليست “ذات صدقية من الناحية التقنية”.
أضاف الكاتب أن إغلاق التحقيق سيضمن عدم تغير مسعى إيران نحو الأسلحة النووية، وسيجعل من أي اتفاق نووي حماقة كاملة.
ستقبل بالاتفاق ثمّ تعود إلى التهديد
سوف يقول مناصرو نهج إدارة بايدن إن أي اتفاق أفضل من عدم الاتفاق وأن برنامج إيران النووي متقدم جداً إلى درجة أن جميع التنازلات تستحق تأخير أزمة نووية قد تتطلب تحركاً عسكرياً لبضع سنوات. وفقاً لهذا التحليل، بينما قد لا تتغير بنود الغرب، لن تنتهي صلاحيتها بالكامل حتى 2031 لذلك لا يزال هنالك بعض الوقت. لكن غولدبيرغ ينفي صحة هذا المنطق. فمن 2010 وحتى 2012، أقر الكونغرس سلسلة من القوانين التي فرضت عقوبات على البنك المركزي الإيراني وعدد من القطاعات الاقتصادية في إيران.
بما أن الاتفاق النووي لم يصادَق قط كمعاهدة ولم يتم إلغاء تلك القوانين، بني رفع العقوبات على إصدار الرئيس الأمريكي إعفاءات مرتبطة بالأمن القومي فعلق بشكل مستمر قوانين عقابية مختلفة كل بضعة أشهر عبر إرسال إخطارات إلى الكونغرس. ولدفع إيران إلى الموافقة على هذا الترتيب، تطلب الاتفاق أيضاً من الولايات المتحدة، “السعي إلى إجراء تشريعي وفقاً للمقتضى” لإلغاء تلك القوانين بحلول أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ومع تعهد 175 نائباً جمهورياً بمواجهة أي اتفاق جديد مع إيران، ومع توقع سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب السنة المقبلة، ستصبح هذه النتيجة مستحيلة. قد تنظر إيران إلى ذلك على أنه انتهاك أمريكي للموجبات الملقاة على عاتق واشنطن مما يدفعها إلى تجديد تهديداتها بالتخصيب. بكلمات أخرى، ستحصل إيران على هذا الاتفاق ثم تعود بعد نحو عام للضغط أكثر على الغرب. قد لا تنتظر هذه الأزمة حتى 2031، بل يمكن أن تصل بحلول الوقت الذي سيتعين فيه على بايدن إعلان ما إذا كان سيترشح إلى ولاية ثانية أم لا.
ستخسر في مواجهة إيران وموسكو
بالعودة إلى تصريح أوليانوف، عن الدقائق أو الثواني الخمس الفاصلة عن خط النهاية، رأى غولدبيرغ أن إيران ستصل إلى خط النهاية بشكل شبه مؤكد وستدخل منطقة استراتيجية من الحصانة بمواجهة الغرب حيث أن أكبر دولة راعية للإرهاب حول العالم ستنمو اقتصادياً وستتجاوز العتبة النووية في آن. وستصل روسيا أيضاً إلى خط النهاية متمتعة بدعم عسكري إضافي لعملياتها في أوكرانيا وستؤسس في الوقت نفسه مركزاً لتفادي العقوبات قبل قطع إمدادات الطاقة عن أوروبا هذا الشتاء. بينما يمثل خط النهاية الأمريكي نهاية جهود واشنطن في منع إيران من الحصول على أسلحة نووية وخسارة كارثية للنفوذ إزاء موسكو في مواجهة يجب أن تفوز بها واشنطن للدفاع عن النظام العالمي الذي تقوده. “وهذا يضعنا على بعد خمس دقائق من الكارثة”.