مقالات

{اجتياح الجنوب اللبناني: بداية لحروب متعددة الساحات}

حسن فليح /محلل سياسي

في خضم التصعيد العسكري الذي يشهده الشرق الأوسط، تتقدم إسرائيل بخطوات سريعة نحو إعادة تشكيل مفهوم الأمن القومي الخاص بها. ولعل اجتياحها لقطاع غزة وامتداد العمليات العسكرية إلى الجنوب اللبناني يشير إلى مرحلة جديدة من الصراع، مرحلة تتخطى حدود المواجهات التقليدية وتدخل في إطار استراتيجي أوسع لتأمين أمنها القومي، عبر إزالة كل أشكال التهديدات التي يمكن أن تطالها في المستقبل.

تقوم إسرائيل، في هذا السياق، بإعادة تعريف مفهوم الأمن القومي بشكل يتناسب مع التحديات المعاصرة والتهديدات التي تعتبرها استراتيجية لأمنها. ولعل الجنوب اللبناني لم يكن سوى محطة أولى في هذه الرحلة، إذ يظهر أن هناك نية واضحة لاستهداف الجبهات الأخرى، بما في ذلك سوريا، العراق، اليمن، وربما حتى إيران. هذا التوسع الجغرافي في العمليات العسكرية يُظهر أن إسرائيل تسعى لتفكيك الشبكة التي تراها تشكل تهديداً مباشراً لأمنها، وهي شبكات الفصائل المسلحة التي توالي إيران وتشكل قلقاً دائماً لتل أبيب.

من غزة إلى الجنوب اللبناني: التوسع في ساحات الحرب

بدأت العمليات العسكرية الأخيرة في قطاع غزة كرد على الهجمات الصاروخية التي تطال المستوطنات الإسرائيلية. ومع ذلك، سرعان ما امتدت المواجهات إلى الجنوب اللبناني، حيث زاد القصف المتبادل بين حزب الله والجيش الإسرائيلي من احتمالات التصعيد الشامل. يرى الكثيرون أن هذه المرحلة من الحرب ليست إلا بداية لما هو أكبر، إذ أن إسرائيل تسعى للسيطرة على التهديدات من جميع الجهات. إن الجنوب اللبناني، الذي يعتبر منذ فترة طويلة معقلاً لحزب الله، أصبح الآن هدفاً مباشراً ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية لتقويض الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

استراتيجية إسرائيل الجديدة: استهداف الحلفاء الإيرانيين

لا شك أن إيران تشكل في نظر إسرائيل التهديد الرئيسي الذي يسعى لزعزعة أمنها القومي من خلال تمويل وتسليح الفصائل المسلحة في المنطقة. ولهذا، يبدو أن إسرائيل لم تكتفِ بحصر عملياتها في غزة ولبنان، بل إنها قد تسعى للتدخل في ساحات أخرى مثل سوريا والعراق واليمن، حيث تتمركز الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، والتي تعمل كامتداد لنفوذها في المنطقة.

في هذا الإطار، يبقى احتمال استهداف إسرائيل للمفاعلات النووية الإيرانية مطروحاً بقوة، خاصة في ظل التخوف الإسرائيلي من تطور القدرات النووية الإيرانية إلى مستوى يهدد توازن القوى في المنطقة. وهذا يعني أننا على أعتاب مواجهة شاملة لن تقف عند حدود العمليات العسكرية ضد حزب الله أو غيره من الفصائل، بل ستشمل استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية، مما قد يدفع المنطقة إلى حالة من الفوضى المستمرة والتغيرات الجيوسياسية الكبيرة.

حرب متعددة الساحات وتغيير حتمي للمعادلة

إن الحروب التي تشنها إسرائيل اليوم ليست مجرد عمليات عسكرية محدودة الهدف، بل هي استراتيجية متكاملة تهدف إلى إعادة تشكيل الوضع الجيوسياسي في المنطقة بما يضمن أمنها القومي على المدى البعيد. فإسرائيل تعتقد أن الأمن الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال القضاء التام على كل أشكال التهديد المحتملة، وهو ما يعني تغيير المعادلة القائمة بشكل حتمي.

هذه المعركة الشاملة التي تدور في الجنوب اللبناني وعلى جبهات أخرى تعني أن المنطقة بأسرها قد تجد نفسها على أعتاب مرحلة جديدة من الصراعات، حيث قد تتحول المواجهات المحدودة إلى حروب إقليمية موسعة، خاصة إذا ما تدخلت قوى إقليمية ودولية لدعم الأطراف المتحاربة.

هل من سبيل لتفادي المواجهة الشاملة؟

إن تصعيد الحرب إلى عدة ساحات في الشرق الأوسط يضع المنطقة أمام منعطف تاريخي خطير. ففي ظل عدم وجود قنوات حقيقية للحوار وحلول دبلوماسية فعالة، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مواجهة شاملة قد تغير معالمها بشكل جذري. ويبقى السؤال: هل ستتمكن القوى الدولية والإقليمية من التدخل في الوقت المناسب لتفادي كارثة إقليمية، أم أن اجتياح الجنوب اللبناني ليس إلا بداية لسلسلة من الحروب التي لن تتوقف إلا بعد تغيير شامل للمعادلة القائمة؟

admin