{احتفال العراقيين بيوم الاستقلال: نكتة القرن الواحد والعشرين في ظل الاحتلالين الأمريكي والإيراني}

1

حسن فليح /محلل سياسي

يشهد العراق في السادس من تشرين الأول من كل عام احتفالات رسمية بمناسبة “يوم الاستقلال”، وهي مناسبة تُحييها الحكومة في احتفالات رسمية وطقوس تُبرز من خلالها مفاهيم السيادة والوطنية. ومع ذلك، يبقى هذا اليوم مثارًا للجدل بين العراقيين، حيث يرونه نوعًا من السخرية التي تتناقض مع الواقع المعاش. فكيف يمكن للعراقيين أن يحتفلوا باستقلال بلادهم بينما يعيشون تحت وطأة الاحتلالين الأمريكي والإيراني؟

الاحتلال الأمريكي: إرث السنين

منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، شهدت البلاد تغيرات جذرية في بنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. الولايات المتحدة لم تكتفِ بالإطاحة بنظام صدام حسين، بل عمدت إلى فرض نظام سياسي جديد قائم على المحاصصة الطائفية، وتفكيك الجيش العراقي، وهي خطوة كانت لها آثار بعيدة المدى على استقرار البلاد وأمنها.

تدخل القوات الأمريكية لم يكن مجرد تدخل عسكري عابر، بل كان بمثابة إعادة رسم للخريطة السياسية بما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، وخلق بيئة مناسبة لاستمرار النفوذ الأمريكي في الشأن العراقي. اليوم، وبعد أكثر من عقدين، لا يزال الوجود الأمريكي حاضرًا بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء عبر القواعد العسكرية أو النفوذ السياسي والاقتصادي.

التغلغل الإيراني: هيمنة وولاءات

في المقابل، استغلت إيران الفوضى التي نشأت عن الغزو الأمريكي لتوسيع نفوذها في العراق. تشكلت ميليشيات مسلحة بدعم من طهران، وتمكن حلفاؤها من الوصول إلى مفاصل الدولة، حتى باتت القرارات السيادية تخضع لتأثير إيراني واضح. من خلال استغلال الفوضى السياسية والأمنية، نجحت إيران في فرض هيمنة شبه كاملة على الشأن العراقي، وتحويل العراق إلى ساحة لتمرير مصالحها الإقليمية.

“استقلال” بلا سيادة

تحت هذا الواقع، يبدو الحديث عن استقلال العراق أشبه بنكتة غير مضحكة. كيف يمكن لبلد يعيش تحت هيمنة قوتين أجنبيتين متنافستين أن يدّعي استقلاله؟ السيادة التي تُحتفل بها الحكومة ليست سوى وهم تُسوقه للداخل وللمجتمع الدولي. فالعراق، حتى اليوم، لا يملك الحرية في اتخاذ قراراته دون تدخل من واشنطن أو طهران، وكلاهما لهما مصالح متعارضة غالبًا، تُدفع فاتورتها من دماء وأرزاق العراقيين.

الإرادة الشعبية: حلم الاستقلال الحقيقي

الشعب العراقي، رغم كل هذا الواقع المرير، لا يزال يحلم بيوم يملك فيه العراق إرادته الحقيقية، بعيدًا عن تأثير القوى الأجنبية. وقد ظهرت بوادر هذا الحلم في الانتفاضات الشعبية التي شهدتها البلاد على مدى السنوات الماضية، حيث خرج الآلاف من الشباب إلى الشوارع مطالبين بوطن حر خالٍ من الهيمنة الأجنبية والفساد المستشري.

إلا أن هذه الإرادة تواجه تحديات كبيرة، تتمثل في قوى داخلية متحالفة مع المصالح الأجنبية، وجهاز أمني يستخدم العنف لقمع أي محاولات للتغيير.

يوم الاستقلال بين الواقع والرمزية

إن الاحتفال بيوم الاستقلال في ظل الاحتلالين الأمريكي والإيراني يعكس حالة الفصام بين ما تروج له الحكومة العراقية وبين واقع الشعب العراقي. فالاستقلال الحقيقي ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو حالة من السيادة الكاملة على الأرض والقرار، وهي حالة ما زال العراق بعيدًا عنها.

ولعل الأمل في الاستقلال الحقيقي يكمن في وعي الشعب العراقي وإصراره على تغيير هذا الواقع، وفي قدرة الشباب على مواجهة التحديات والسعي نحو بناء وطن يليق بأحلامهم وطموحاتهم. يوم الاستقلال الحقيقي للعراق لن يأتي عبر الاحتفالات الرسمية، بل عبر التحرر الفعلي من كل أشكال الهيمنة، وبناء دولة تُعبر عن إرادة شعبها.

التعليقات معطلة.