مقالات

اختراق أميركي للقانون الدولي

 
 
خميس بن عبيد القطيطي
 
ليس جديدا أن تضرب الولايات الأميركية بالقوانين الدولية عرض الحائط، وهذا الأمر يعد من إفرازات القطبية الأميركية، وهو ما يمثل حالة من البلطجة الدولية تمارسها الولايات المتحدة كدولة قطبية، فيما كان من المفترض أن تتحمل مسؤولية القيادة العالمية بالحفاظ على الأمن والسلم والقانون الدولي كمبادئ دولية راسخة تأسست عليها الأمم المتحدة، ولكن على العكس ممارسات الولايات المتحدة ـ للأسف الشديد ـ تختلف كليا، وتعكس منهج الإدارة الأميركية في التعامل مع النظام العالمي عموما في حالة استخفاف تام بالقانون الدولي، وهذا النهج قد يعجل بفقدان تلك القيادة العالمية. وللأسف الشديد، إن تجاوزات إدارة ترامب في التعامل مع الاتفاقيات والقوانين الدولية يتزايد في ملفات متعددة، سواء ما يتعلق بالمناخ أو التلوث، وكذلك انسلاخها من الاتفاق النووي مع إيران، وربما قد يصل الأمر إلى الخروج من معاهدات ستارت وتخفيض الرؤوس النووية، ولم يختلف منهج إدارة ترامب فيما يتعلق بالحقوق العربية حيث أعلن القدس عاصمة لإسرائيل، واليوم وقع مرسوما بمنح السيادة على أراضي الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني في تجاوز صارخ للقوانين الدولية 242، 338، 497، فكل تلك القرارات تعتبر هضبة الجولان أراضي سورية محتلة.
قرار أو مرسوم ترامب يعارضه المجتمع الدولي بأسره، فالأمم المتحدة أعلنت أن هذا القرار لا يغير من الوضع القانوني للجولان المحتل، وكذلك عبر سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي منتقدا في اتصال هاتفي مع مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي بأن ذلك يمثل اختراقا سافرا للقانون الدولي، وكذلك جاء رد الفعل بالنسبة للاتحاد الأوروبي مؤكدا أن الاتحاد لا يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان باعتبار الجولان أراضي سورية تحتلها إسرائيل، فيما أعلنت الخارجية السورية أن هذا القرار اختراق للسيادة ووحدة الأراضي السورية، في بيان معبر بثته وكالة الأنباء السورية “سانا” وأكدت “أن ترامب لا يملك الحق والأهلية القانونية لتشريع الاحتلال واغتصاب أراضي الغير بالقوة”.
نهج الولايات المتحدة يضعها كعدو للأمة العربية؛ كونها تعمل ضد الحقوق العربية، وهذا ما يصعد من كراهية أبناء الأمة العربية والإسلامية لهذه الامبراطورية، بالإضافة إلى ممارسات سلطوية بافتعال حروب وأزمات أدت إلى حدوث دمار حول العالم، وخلفت الكثير من المآسي الإنسانية والكوارث، بدءا” من استخدامها السلاح النووي في اليابان، مرورا بجميع حروبها السابقة والتمادي على القانون الدولي، واستخدام حق الفيتو ضد الحقوق العربية، وانتهاء بإعلان ترامب حول القدس وقراره حول الجولان السوري”. هذا القرار يعد لا قيمة له ويعارضه المجتمع الدولي بمن فيهم أصدقاء الولايات المتحدة، ولكنه يقدم تفسيرات خطيرة حول التعامل الأميركي مع الأسرة الدولية وتماديها على القانون الدولي؟!
وتحتل “إسرائيل” منذ عام 1967م جزءا من هضبة الجولان يقدر بـ1260 كيلومترا، وتسيطر على منطقة مرتفعة تشرف على سوريا وكذلك على الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تستفيد من مياه بحيرة طبريا التي تعزز مصادرها من منابع الهضبة السورية المحتلة بنسبة 14% من المياه، ويأتي القرار الأميركي بسيادة الكيان المحتل على الجولان السوري قبل انتخابات الكيان الإسرائيلي المزمع في 9 أبريل المقبل، ويسعى ترامب إلى الاستفادة من جماعات اللوبي اليهودي لدعم موقفه الانتخابي في حالة من المقايضة والمساومة باستخدام الحقوق الشرعية للأمة العربية.
ندرك أن الولايات المتحدة سبق لها استخدام الفيتو لصالح كيان الاحتلال الصهيوني، وستستخدم حق النقض “الفيتو” ضد أي قرار في مجلس الأمن لإدانتها، ولكن ذلك لا يعني الامتناع عن تقديم هذا الملف عبر مجلس الأمن، وإن تم نقضه بواسطة الفيتو الأميركي، ما يتطلب متابعة ملف الجولان عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن لم يكن قرارها ملزما، لكنه يضعها في مواجهة المجتمع الدولي لفتح آفاق جديدة في إحياء ملف الجولان السوري على الصعيد الدولي.
خلال العقود الماضية ورغم غياب العرب عن المسرح السياسي الدولي لم تتجرأ الإدارات الأميركية المتعاقبة الاقتراب من هكذا ملفات مثل صفقة القرن، واعتبار القدس عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وتوقيع مرسوم يمنح الكيان الغاصب السيادة على أراضي الجولان السوري المحتل، ولكن حدث ذلك في لحظة زمنية فارقة في التاريخ، ما يؤكد أن أميركا لا تقيم حسابا للدول العربية اليوم، وذلك بعد غياب الدول المحورية وإنهاكها في أزمات داخلية، وللأسف الشديد لم يتنبه العرب لهذه الصفعات الأميركية المتلاحقة، وما زالت بعض الدول العربية تعقد تحالفاتها الاستراتيجية مع دولة لا تقدم أي احترام للعرب، وعلى الأنظمة الرسمية الاستعداد لتلقي صفعات أخرى طالما ارتضت أن تضع نفسها في هذا الموضع، وكان ينبغي على جامعة الدول العربية والأنظمة العربية أن تقف وقفة مشرفة لا أن تكتفي بإدانة ركيكة من أمانة الجامعة.
هناك من يعتقد أن الأمة العربية فقدت مفاتيح القدرة والقوة، وهذا اعتقاد خاطئ إذا ما تحدثنا عن الأمة، فالأمة العربية ما زالت تمتلك عنصر القوة المتمثل في عنصر المقاومة المدعوم من قبل الشعوب العربية التي ما زلنا نراهن عليها، وما زالت ثقافة المقاومة تسري في أذهان أبناء الأمة العربية، وهذا أمر مهم جدا، لا بد من إعادة إحيائه للحفاظ على أمل الأمة العربية، وإبقاء جذوة المقاومة مشتعلة حتى يفرق الله بين الحق والباطل.