في عام 2019، كانت الوفيات الناجمة عن العدوى المقاومة للمضادات الحيوية السبب الرئيسي الثالث للوفاة على مستوى العالم، بحسب دراسة نشرتها مجلة “لانسيت” عام 2022، إذ دقت ناقوس الخطر حيال البكتيريا المقاومة للأدوية، مما دفع العلماء لتكثيف الجهود في هذا المضمار.
تعدّ المضادات الحيوية أساس الطب الحديث، وعلى مدى القرن الماضي حسنت بشكل كبير حياة الناس في جميع أنحاء العالم؛ إذ تعالج حالات العدوى البكتيرية؛ فتقضي على البكتيريا أو تمنعها من التكاثر، مما يساعد الدفاعات الطبيعية للجسم على القضاء عليها.
لكن في حالات كثيرة تفقد المضادات الحيوية فعاليتها؛ لأسباب تعلق بالإفراط في استخدامها، أو المقاومة الشديدة للبكتيريا، مثل البكتيريا سلبية الغرام.
كشف الباحثون فعالية المضاد الجديد بعلاج الالتهابات الناجمة عن البكتيريا سلبية الغرام في الفئران.
تحت الاختبار
شهد العام الحالي اختراقات مهمة في مجال تطوير مضادات حيوية فعالة مع البكتيريا سلبية الغرام، التي تعرف أيضاً بالبكتيريا المقاومة للأدوية، كان آخرها ما توصل إليه علماء جامعة أوبسالا في السويد.
وكشف الباحثون عن فئة جديدة من المضادات الحيوية، أثبتت نجاعتها في علاج التهابات مجرى الدم في الفئران. وثقت نتائج هذه التجربة في دراسة نشرت مطلع هذا الشهر في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
يستهدف الدواء الجديد – مثل العديد من المضادات الحيوية الأخرى قيد التطوير حالياً – الغشاء المزدوج الذي يحيط البكتيريا سلبية الغرام، مثل الإشريكية القولونية، التي يمكن أن تسبب التهابات الأمعاء والدم، والكلبسيلا الرئوية، والتي يمكن أن تسبب التهابات الرئة والمثانة والدم.
في المعتاد تُحاط البكتيريا سلبية الغرام بكبسولة واقية تمنع كريات الدم البيضاء (التي تقاوم العدوى) من ابتلاعها، كما تمتلك غشاءً خارجياً يقيها من أنواعٍ محددة من المضادات الحيوية، مثل البنسلين، وعندما يتعرض هذا النوع من البكتيريا للخطر، يطلق الغشاء مواد سامة تسمّى “الذيفانات الداخلية”، تسهم في شدة الأَعرَاض في أثناء العدوى.
على عكس البكتيريا إيجابية الغرام، التي صُنع لها العديد من عائلات الأدوية، فإن الغشاء المحيط بخلايا البكتيريا سلبية الغرام، يصعب على المضادات الحيوية أن تكون فعالة معه. لذا فتطوير مضادات حيوية قادرة على اختراق هذا الغشاء الحصين يعد اختراقاً طبياً مهماً.
لتحقيق هذا الغرض استهدف الباحثون في السويد إنزيماً يسمى LpxH، يساعد على تشكيل بعض المكونات الحرجة للغشاء الخارجي تسمى “عديدات السكاريد الشحمية”. نظرا لأن ما يقرب من 70 في المئة من البكتيريا سلبية الغرام تستخدم هذا الإنزيم، فيمكن أن يكون هدفاً مناسباً.
استخدم الباحثون في البداية مركّباً يسمى “JEDI-1444″، والذي أظهر نتائج واعدة في البداية تجاه البكتيريا سلبية الغرام، لكنه لم يكن قابلاً للذوبان أو مستقراً جداً في الدم. مع بعض التعديلات، وجد الفريق نجاحاً في شكلين مختلفين من المركبات، مرمزين بـ”EBL-3599” و”EBL-3647″، وأظهرا نشاطاً قوياً مضاداً للميكروبات.
وبعد التجربة على الفئران، أثبتت هذه المركبات قدرتها على علاج الالتهابات الناجمة عن بكتيريا سلبية الغرام بجرعة واحدة خلال أربع ساعات، ورغم هذه النتائج الواعدة لا يزال ثمة طريق طويلة أمام الباحثين لتجربة المضادات الحيوية الجديدة على البشر.
لا يزال أمام الباحثين طريق طويلة للتأكد من نجاعة المضادات الجديدة في مراحل التجارب السريرية
أدوية أخرى تقترب
قبل الإعلان عن المضادات الحيوية الجديدة، شهد مطلع كانون الثاني (يناير) الفائت الكشف عن مضاد حيوي جديد آخر يسمى “زوسورابالبين”، حيث أثبت فعاليته مع أحد أنواع البكتيريا سلبية الغرام، تسمى “Acinetobacter baumannii” بحسب دراسة نُشرت في مجلة “نيتشر”.
يشار إلى أن بكتيريا “Acinetobacter baumannii” والمعروفة ايضاً باسم “CRAB”، تمثل حوالي 2 بالمئة من حالات العدوى في المستشفيات الأميركية. كما تعدّ واسعة الانتشار في آسيا والشرق الأوسط، وتسبب نحو 20 بالمئة من حالات العدوى في وحدات العناية المركزة في أنحاء العالم.
في التجارب على نماذج الفئران، أكّد باحثون من جامعة هارفارد الأميركية وشركة الرعاية الصحية السويسرية “هوفمان-لاروش” أن المضاد الحيوي “زوسورابالبين” يحد بفاعلية من مستويات بكتيريا “CRAB” لدى الفئران المصابة بالالتهاب الرئوي الناجم عن هذه البكتيريا. كما منع موت الفئران بالإنتان الناتج عن البكتيريا.
يبقى هناك مسار طويل من عملية اختبار المضاد الحيوي “زوسورابالبين”، حيث يخضع الآن للمرحلة الأولى من التجارب السريرية على البشر، لتقييم سلامة الجزيء، وقدرته على التحمل، على ما يقول الباحثون.
وبحسب دراسة “لانسيت”، توفى حوالي 1.3 مليون شخص في العالم بشكل مباشر بسبب مقاومة مضادات الميكروبات في عام 2019. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يكون هناك عشرة ملايين حالة وفاة سنوياً.