كتب/ عباس ضاهر
في وقت تنشغل فيه المملكة العربية السعودية بأمورها الداخلية المتعلقة بالتوريث والحُكم، في ظل هواجس تداعيات الحرب المفتوحة في اليمن، تتسارع خطى تركيا-إيران-روسيا في سوريا. هذا ما ظهر في اتفاق استانا، وهو مقدمة للدخول في جدول اعمال مشترك يتيح الخروج السريع لتركيا تحديدا من المستنقع السوري بعد مرور اكثر من ست سنوات على الحرب، وعدم الوصول الى أي نتيجة كانت تتوخاها انقره والدول العربية في الخليج الفارسي.
اذا كانت دمشق خسرت ماديا وبنيوياً، لكنها صمدت وربحت بإفشال خطة الحرب التي قادتها عواصم اقليمية ودولية فاعلة ضدها. لم تكن سوريا وحيدة، بل وقف خلفها حلفاء اقوياء اوفياء. اليوم تخوض تركيا رحلة الخروج من الأزمة السورية من دون خسائر جوهرية، بعدما لمست هروبا أميركيا من الالتزامات السابقة، واصرارا روسيا وايرانيا على حماية الدولة السورية، وتمددا للارهابيين، وتوسعا للطموحات الكردية.
اول هدف تركي الآن هو ضرب مشروع الكرد واجهاض الدويلة المرتقبة على الحدود السورية الشمالية المحاذية لتركيا. لا يتم ذلك الا من خلال التعاون والتنسيق مع دمشق بشكل مباشر لا فقط عبر الروس او الايرانيين. تتفرج الدولة السورية على محاولة الاتراك النزول من اعلى الشجرة. ستمد يدها دمشق لانقره كي تصل سالمة الى الأرض، لا حبا بها، بل لوجود مصلحة مشتركة.
تثبت الايام صحة السياسة الروسية والإيرانية تجاه تركيا التي تم اعتمادها في السنتين الماضيتين. يومها اختارت طهران وموسكو انقره على حساب الرياض التي بقيت تراهن على فتح حروب بالجملة ضد الايرانيين بشكل خاص. كان لا بدّ لايران من التعاون مع حليف اسلامي سني وازن يمكن التفاهم معه لوجود مصالح مشتركة. للجمهورية الاسلامية ايضا حسابات أيديولوجية أساسية في دعم نظام تركيا الاسلامي ومنع اسقاطه.
اليوم أصبحت تركيا ومعها قطر حليفين اساسيين لايران. ويتعاونان ايضا مع الروس اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. سيترجم التعاون قريبا في إدلب التي اصبحت خاضعة لاتفاق استانا. لكن المسألة لن تقف عند هذه الحدود. صحيح ان مناطق خفض التوتر سيتدرج فيها الحل مرورا بتسويات مع المسلحين المحليين التائبين غير المنخرطين بجماعات “النصرة” او “داعش” او قوى تكفيرية، لكن الهدف هو اعادة المناطق الى حضن الدولة السورية.
العملية تبدأ اولا برفع العلم السوري الوطني الاحمر و انزال العلم الاخضر. هنا يسجل السوريون في الشكل انتصارا لمنطق الجمع والدولة.
ثانيا، تعود مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية والحكومية الى الانتظام في فلك الادارة المركزية بشكل منتظم عبر المحافظين، كما كان الوضع قبل الاحداث السورية.
ثالثا، تطوى صفحة “الثورة” وتُرفع صور الرئيس السوري بشار الاسد من جديد.
هنا يراهن مراقبون على تسارع خطوات اعادة مظاهر الدولة سريعا، لاعتبارين: سقوط الرهان على قلب النظام نهائيا، وحنين المواطنين السوريين لمنطق الدولة والامن هربا من التنظيمات المسلحة وصراعاتها والتكفير وآثاره السلبية على كل مكونات المجتمع السوري.
رابعا، تتحضر الدورة الاقتصادية للتكامل ما بين المحافظات اعلانا للطلاق مع مرحلة القحط. هذا يترجم بإعادة فتح الطرق بين المحافظات من ديرالزور شرقا الى حلب والقامشلي والحسكة شمالا الى حمص في الوسط والساحل ودمشق والسويداء وكل الجنوب لاحقا.
خامسا، فتح الحدود الشرعية بين سوريا والاردن من جهة، وسوريا والعراق من جهة ثانية، وسوريا وتركيا من جهة أخرى، فيحقق ذلك نتائج اقتصادية مهمة.
سادسا، اعادة فتح السفارات بالجملة، بدءا من عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وانقره.
كل ذلك يعني، ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سيصلّي بعدها في المسجد الاموي، لكن برفقة الاسد الذي يستعد لاستضافة رؤساء ووفود دولية بالجملة. العواصم بدأت تجهز ملفاتها للمشاركة في اعمار سوريا. فهل تعطي دمشق الاولوية لخصوم استسلموا أمامها؟ أم لحلفاء وقفوا معها في اصعب المراحل؟ دمشق قيد الاختبار في خوض نوع ثان من الامتحان، بعد نجاحها في احباط مخطط اسقاطها.