تعارض عديد من القوي الإقليمية والدولية انفصال إقليم كردستان عن العراق؛ لأن تمريره من شأنه تعزيز النزاعات الانفصالية للأقليات الدينية والعرقية في عدد من الدول العربية وخاصة الأكراد في سوريا وتركيا وإيران، ولهذا فقد اتخذت تلك الدول على الرغم من الخلافات السياسية بينهما مجموعة من الإجراءات المشتركة الاستباقية لتقويض فرص الاستقلال السياسي والاقتصادي للإقليم في حال انفصاله عن بغداد، ناهيك عن التهديد التركي باستخدام القوة العسكرية ضده بعد تصويت البرلمان في أنقرة على تفويض يسمح بتمديد نشر الجنود الأتراك في العراق وسوريا.
ورغم الضغوط الإقليمية والدولية، والمطالب بتأجيل الاستيفاء أجري إقليم كردستان في الخامس والعشرين من سبتمبر الجاري الاستفتاء حول استقلاله في وقت ينقسم فيه الأكراد حول توقيته. فهناك من يرفضه لأن الإقليم ليس لديه مؤسسات فاعلة، ولا اقتصاد مستقل، ولا جيش موحدا، ويري هذا التيار أن الهدف من الاستقلال هو التغطية على المشاكل الداخلية في الإقليم. وفي المقابل يري تيار أخر أن توقيت الاستفتاء مثالي؛ لأنه يأتي بعد الانتصارات التي حققتها قوات البشمركة في حربها ضد تنظيم داعش، والتعاطف العربي والدولي مع القضية الكردية.
يكشف إصرار الأكراد على إجراء الاستيفاء عن مدي فشل الدولة العربية في التعامل مع التعددية الاثنية واللغوية والدينية داخلها، الذي قد يأخذ شكل الحرب الأهلية، وعدم قدرة الدولة بمفهومها التقليدي على فرض نفوذها وسيطرتها على كامل إقليمها وحدودها.
ويأتي هذا الاستفتاء في سياق عراقي معقد سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وأوضاع عربية وإقليمية مضطربة، حيث سيجدد الصراعات الطائفية والعرقية داخل عدد من الدول العربية التي تضم أقليات دينية أو عرقية، ويعزز من التوجهات الانفصالية وأطروحات الفيدرالية التي ستؤدي إلى تصدع الدولة القومية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في العراق مع توقع تكثيف القوي السنية العراقية مع نجاح خطوة استفتاء إقليم كردستان من تحركاتها للانفصال عن الدولة العراقية، والبناء على الاجتماعات الدورية المكثفة التي تقوم بها تلك القوى في الخارج لبحث هذا الهدف.
وفي هذا السياق، يناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات نشرت على الموقع الالكتروني للمركز أو بمجلة “اتجاهات الأحداث”، الأزمات التي تواجه الدولة القومية في منطقة الشرق الاوسط، ومواقف القوي الإقليمية والدولية من استفتاء استقلال إقليم كردستان، والسياسات الإقليمية لمحاصرة الإقليم في حال استقلاله، والأزمات الاقتصادية التي ستواجهه، وأخيرا أسباب دعم إسرائيل الاستيفاء، والسياسات الإسرائيلية لتفتيت المنطقة.