أعادت استقالة قاضٍ ممثل لإقليم كردستان في المحكمة الاتحادية العراقية المنافسة السياسية بين أربيل وبغداد إلى المربّع الأول، وخصوصاً أنّها ترافقت مع إعلان مجلس القضاء الأعلى في الإقليم عدم صلاحية المحكمة في الكثير من القرارات التي اتخذتها تجاه الإقليم، ما قد يهدّد بمواجهة تشريعية بين الطرفين، قد تؤثر على العلاقات المتوترة أساساً بينهما. أسباب استقالة القاضي زيباريأعلن القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري انسحابه من المحكمة يوم الثلثاء الفائت، في مؤتمر صحافي، شرح فيه الأسباب والدوافع وراء قراره، وقال: “بعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات على تسلّمي المنصب وتوالي صدور القرارات من المحكمة الاتحادية العليا بتشكيلتها الجديدة، توصلت إلى قناعة ذاتية أنّ وجودي واستمراري كقاضٍ في المحكمة لا يحقق الغاية المبتغاة من شغلي لهذا المنصب، وهي المساهمة في الحفاظ على المبادئ والأسس التي ينصّ عليها الدستور، وقد وجدت نفسي في موقع أصبحت جهودي وإمكاناتي العلمية والمهنية عاجزة عن تحقيق غايتها في الدفاع عن مصالح إقليم كردستان بصفته إقليماً دستورياً معترفاً به في العديد من مواد الدستور الاتحادي”. مراقبون رأوا في الاستقالة إمكاناً لتصعيد من إقليم كردستان في التشكيك بشرعية وقدرة المحكمة الاتحادية في الحكم على القضايا العالقة بينه وبين الحكومة المركزية، وخصوصاً أنّ المادة الثالثة من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 للعام 2005 تنص في فقرتها الثانية على ضرورة تمثيل الإقليم في عضوية هذه المحكمة. وحتى التعديل الذي طرأ على قانون المحكمة (رقم 25 لسنة 2021) لم ينص على ما ينافي ذلك. وعليه صار تمثيل المحكمة ناقصاً من إقليم كردستان، فالقاضي المُستقيل هو واحد من قاضيين ممثلين للإقليم، من أصل تسعة قضاة أساسيين، وثلاثة آخرين احتياط. كشف القاضي المستقيل آلية اتخاذ قرارات المحكمة تجاه إقليم كردستان، مذكّراً بعدم قدرة القاضيين الكرديين في التأثير على الأغلبية التي يحسمها باقي القضاة، والذين، وفق القاضي المستقيل، تجاوزوا مهمّة تفسير المواد الدستورية، وصاروا يتصرفون ويتخذون قرارات قضائية هي أقرب ما تكون “تعديلاً للدستور” وأسسه الفيدرالية. فالدستور العراقي أقرّ للمحكمة الاتحادية مهمّة “الدفاع عن حقوق الأقاليم والمحافظات في مواجهة السلطة المركزية، لأنّ هذه الأخيرة تملك آليات المناعة والقوة ما يمنع الأطراف من تجاوز حقوقها”.
كيف تؤثّر الاستقالة؟الباحث الحقوقي مؤنس عارف الطائي شرح في حديث لـ”النهار العربي” إمكان تأثير استقالة القاضي زيباري على عمل المحكمة الاتحادية العليا وقراراتها المتخذة طوال العامين الماضيين ضدّ إقليم كردستان، وقال: “ثمة آليتان لاحقتان يُمكن لعملية استقالة القاضي زيباري أن تؤثر من خلالهما على شرعية المحكمة وتجاوز شرعيتها من قِبل الإقليم. فلو استقال القاضي الكردي الآخر في المحكمة، سيخلّ ذلك تماماً بشرط تمثيل الإقليم في المحكمة، كما نصّ عليه نظامها الداخلي بالضبط، خصوصاً أنّ القضاة الاحتياط لا يمكن لهم شغل الموقع باعتبارهم ممثلين للإقليم. والمسألة الأخرى هي كشف القضاة المستقلين لوثائق ومضامين توضح انجرار القضاة والمحكمة وراء أجندات سياسية في اتخاذ قراراتها، وعدم امتثالها للبنية القانونية التشريعية فحسب”. خلافات كردية داخليةأضاف الطائي: “ليس خافياً أنّ الأمرين مستبعدان تماماً، بسبب الخلاف الكردي الداخلي الواضح بشأن قرارات المحكمة، خصوصاً قرارها الأخير بشأن كوتا الأقليات القومية في برلمان إقليم كردستان. والقاضيان يمثلان حساسيتين كرديتين مختلفتين تماماً. وتالياً فإنّ استقالة القاضي الثاني مستبعدة راهناً. الأمر الآخر يتعلق بتفاصيل عمل المحكمة، وهو أيضاً أمر مستبعد بحكم الأعراف والسرّية والحفاظ على الأمانة المهنية، كما جرت عليه أصول العلاقات بين القضاة، إلاّ إذا وصلت الأمور إلى مرحلة القطيعة”. رئيس مجلس القضاء في إقليم كردستان العراق القاضي عبد الجبار عزيز حسن أعلن أنّ تقسيم المناطق الانتخابية ضمن الإقليم ليس من صلاحيات المحكمة الاتحادية، وقال في بيان رسمي تلقى “النهار العربي” نسخة منه: “الدستور العراقي سنة 2005 أقرّ في المادة 117، أولاً، بإقليم كردستان وسلطاته القائمة ومنحه حق ممارسته الصلاحيات الممنوحة لتلك السلطات باستثناء الصلاحيات الحصرية للسطات الاتحادية، وكل ما لم ينص عليه بالاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الإقليم، بل ومنح الأولوية لقوانين الإقليم على القوانين الاتحادية… إنّ تقسيم المناطق الانتخابية من الصلاحيات الحصرية لبرلمان كردستان ولا شأن للمحكمة الاتحادية بها لا من قريب ولا من بعيد، ما يقتضي والحال هذه إعادة النظر في القرار المذكور رغم وصفه أنّه بات ملزماً لجميع السلطات”. مقاعد حلبجةبدوره، طالب الحزب الديموقراطي الكردستاني المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، بإعادة النظر في عدد المقاعد البرلمانية المخصّصة لمحافظة حلبجة. لكن المفوضية تقول إنّها غير قادرة على المساس بعدد المقاعد، إذ أشارت المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق جمانة الغلاي، إلى أنّ الحزب الديموقراطي الكردستاني تقدّم بطلب إلى المفوضية لإعادة النظر في عدد المقاعد المخصصة لمحافظة حلبجة وزيادتها (العدد المخصّص هو 3 مقاعد من أصل 100 مقعد)، وإن من دون المساس بمجموع مقاعد البرلمان في الإقليم.