شاهر الحاج جاسم
وسط انشغال وسائل الإعلام العربية والعالمية بحراك الشعب السوداني وتطورات المشهد الجزائري والتغيّرات السياسية التي تعصف ببعض دول العالم، بدءاً من منطقتنا وصولاً إلى فنزويلا، وهو ما يتزامن مع ركود اقتصادي يعمّ معظم البلدان، أطلّ الرئيس الكازاخستاني السابق نور سلطان نزارباييف في خطاب تلفزيوني مباشر ليعلن مغادرته سدة الرئاسة بعد قرابة 30 عاماً أمضاها في منصبه.
يبدو جلياً أن نزارباييف قرر أخذ زمام المبادرة والتخلي عن منصب الرئاسة طوعاً ليحقق بذلك انتقالاً سلساً وآمناً للسلطة، ويجنّب بلاده إراقة الدماء كما حصل في بعض دول ما يسمى بـ «الربيع العربي».
في خطاب استقالته الذي ألقاه في 19 آذار (مارس) الماضي، قال الرئيس السابق نزارباييف (78 عاماً): «اتخذت بنفسي قراراً صعباً بالاستقالة كرئيس لجمهورية كازاخستان». وزاد: «بصفتي مؤسس الدولة الكازاخستانية المستقلة، أرى مهمتي الآن تسهيل ظهور جيل جديد من القادة، الذين سيستمرون في الإصلاحات الجارية في البلاد».
وتم اختيار نور سلطان نزارباييف عام 1989، سكرتيراً أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكازاخستاني، أيام الاتحاد السوفياتي السابق، ليصبح بعد ذلك رئيساً لبلاده في عام 1990.
ويبدو أن الخبرة السياسية التي اكتسبها نزارباييف، خلال العقود الثلاثة الماضية، لم تكن بسيطة، وهو ما عكسته خطواته الأخيرة، التي جعلت الصديق قبل العدو يعجز عن فهم الأهداف التي تقف خلف القرارات التي اتخذها، والتي تجلّت في التنحي المفاجئ وتسلم مناصب هامة وذات تأثير.
واستطاع نزارباييف تجاوز العديد من الأزمات عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وخلال السنوات الأخيرة. وتبدو المكانة التي وصلت إليها كازاخستان خلال فترة حكمه واضحة للعيان، إذ تميزت بلاده بالاستقرار وبانتهاجها سياسة الانفتاح إقليمياً ودولياً، بخلاف دول مجاورة في آسيا الوسطى وجمهوريات سوفياتية سابقة.
لا شك في أن استقالة نزارباييف كانت مفاجئة للجميع، لاسيما أن هذا النوع من الاستقالات غير مألوف في هذه المنطقة من العالم، وهو ما يمكن وصفه بأنه عبارة عن «عملية انتقال غير مؤلم للسلطة»، مع التذكير بأن الرئيس السابق لا يزال يحكم قبضته على الأمن، ويشغل منصب رئيس حزب «نور وطن» الذي يهيمن في شكل كامل على البرلمان، علماً أنه سيحتفظ بهذه المناصب على رغم استقالته من الرئاسة. وكانت الأجهزة الحكومية بمفاصلها كافة شهدت تغييرات كبيرة منذ بداية العام الجاري، شملت مناصب مهمة وهو ما رأى فيه البعض بوابة لتغيير كبير يشمل السلطة من رأس الهرم إلى أسفله.
بداية شهر شباط (فبراير) الماضي، طالب نزارباييف المجلس الدستوري بتوضيح الفقرة الثالثة من المادة 42 من الدستور وتحديد طريقة لاستقالته المبكرة. إضافة إلى ذلك، تم العام الماضي تعديل دور مجلس الأمن الوطني ليتحوّل من دورٍ استشاري إلى دستوري، ما زاد من سلطته الواسعة أساساً.
قرار استقالة الرئيس الكازاخستاني لم يكن محض صدفة بالنسبة إلى المراقبين المتابعين للوضع الداخلي في بلاده، ذلك أنه أتى ليتوّج مجموعة إجراءات اتخذها نزارباييف في السنوات القليلة الماضية، شملت إدخال تعديلات جذرية على قوانين البلاد، تتيح له التأثير في شؤون الدولة بعد تقاعده وتنصيبه زعيماً للأمة مدى الحياة.
من خلال الانتقال السلمي للسلطة، استطاع نزارباييف تجنيب بلاده اضطرابات وفوضى كان يمكن أن تعصف بها في ظل تجاذبات إقليمية ودولية تتعرض لها معظم جمهوريات آسيا الوسطى الغنية بالثروات الطبيعية والتي تتميّز بأهمية موقعها الجيو – استراتيجي.
إن مراقبة الوضع الداخلي الكازاخستاني خلال الفترة الانتقالية التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، إضافة إلى متابعة أسماء المرشحين للرئاسة، تعطيان صورة أكثر وضوحاً حيال مدى استمرار البلاد في اتباع السياسة التي وضعها مؤسس كازاخستان الحديثة الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف.
* باحث في الشؤون الدولية.