اخبار سياسية

استهداف المنازل… إسرائيل تعيد سيرتها الأولى في القصف

يرى مراقبون أن تل أبيب تحاول استخدام المدنيين عنصر ضغط على الفصائل الفلسطينية لوقف القتال والدخول في مفاوضات لإنهاء المعركة بشروطها

عز الدين أبو عيشة مراسل 

تعد سياسة تدمير المنازل جزءاً من الخطط العسكرية الإسرائيلية (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)

بعد استهداف المقاتلات الإسرائيلية منزلاً في غزة بصاروخ تحذيري، صرخ الأب بلال بصوت عالٍ، ومن شدة الهلع أخذ يبحث عن صغاره في أرجاء شقته، على رغم أن أطفاله التسعة الذين كانوا نائمين في غرفتهم متشبثين بملابسه رعباً.

تدمير المنازل والأطفال شهود

بيديه التي ترجف من شدة الخوف على حياة صغاره حملهم بلال وهرع من المنزل، وما إن وصل إلى مفترق الطرق الرئيس لشارع بيته، حتى سوّت الطائرات الإسرائيلية العمارة السكنية المكوّنة من أربع وحدات سكنية بالأرض أمام عيون أطفاله.

بدت ملامح الاضطراب والخوف الشديد ظاهرة على وجه الطفل وسيم، ووسط القصف وصراخ الآمنين والدخان الكثيف الذي ملأ المكان، أخذ يلحّ على والده لدخول غرفته وتفقد ألعابه وإنقاذ ما تبقى منها “بدي البسكليت أنا بحبه كتير. أمانة تعال ندخل نجيبه، خلاص راحت الطيارة” يرجو الطفل والده الذي تسمّر مكانه بعد مشاهد الدمار.

1.jpg

تلجأ إسرائيل إلى تدمير المنازل في المعارك مع اشتداد القتال (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)

يتساءل الأب، الذي يؤكد أنه لا يتبع أي فصيل سياسي، “لماذا دمّرت إسرائيل بيتي الذي أعيش فيه مع أسرتي؟ أين سنذهب؟ وكيف سينسى الصغار مشاهد الدمار؟”. موضحاً أن هذه العمارة كان يعيش فيه أربعة إخوة وأمهم، وبرفقتهم تسعة من الأطفال أصغرهم ثلاثة أشهر.

وفي إطار عملية “السهم الواقي” العسكرية التي شنتها إسرائيل ضد “حركة الجهاد” في غزة، ودخلت في يومها الرابع، أخذ القتال بين الطرفين منعطفاً جديداً، بعد عودة الجيش إلى سياسة استهداف المنازل.

واتبع الجيش الإسرائيلي نهج تدمير المنازل في غزة خلال عمليته العسكرية هذه، بعد أن رفعت الرقابة العسكرية الحظر عن مشاهد الدمار التي لحقت بالمناطق الإسرائيلية نتيجة سقوط قذائف صاروخية أطلقتها الفصائل الفلسطينية صوب مدن غلاف غزة.

وبحسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، سلامة معروف، فإن الجيش الإسرائيلي سوّى تسعة منازل بالأرض، فيما تسببت الغارات في تدمير ما مجموعه 23 وحدة سكنية، وتضرر 314 وحدة بشكل جزئي، منها 28 غير صالحة للسكن.

المدنيون أداة ضغط على الفصائل

وبحسب الباحث في الشؤون العسكرية، واصف عريقات، فإن إسرائيل استخدمت القذائف متعددة الرؤوس الفراغية “GBU” وهي صواريخ رأسها الأول يحتوي على مواد مشتعلة لتفريغ الهواء، والثاني فيه قوة تفجيرية تدميرية تعمل على نسف المباني بشكل كامل، مؤكداً أنها “محرّمة الاستخدام” وفق قواعد القانون الدولي الإنساني.

ومنذ بدء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتتبع الأخيرة أسلوب تدمير المنازل والعمارات السكنية والأبراج، وتكثف من استخدامه بالطائرات المقاتلة في أثناء العمليات العسكرية التي تشنها ضد قطاع غزة، وكان النهج الرئيس الذي اتبعته في قتال 2008 و2014.

وعلى رغم أن تدمير المنازل أسلوب تتبعه إسرائيل في المعارك، فإنها تلجأ إليه مع اشتداد القتال، إذ بالعادة تركز غاراتها على الأهداف العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية والبنية التحتية والأراضي الزراعية.

5.jpg

تقول إسرائيل إنها تراعي مبادئ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)

ويعتقد مراقبون سياسيون وعسكريون أن لجوء إسرائيل إلى سياسة تدمير المنازل قد يأتي في سياق “التفاوض تحت النار، ولن يتوسع به الجيش ليصبح نهج العملية العسكرية المستمرة، لأن ذلك يعني مزيداً من تصعيد حدة القتال”.

ويرى الباحث في الشؤون السياسية، أحمد عوض، أن إسرائيل تحاول استخدام المدنيين “عنصر ضغط على الفصائل الفلسطينية لوقف القتال، ولإجبارها على التنازل عن شروطها، والدخول في مفاوضات لإنهاء المعركة بشروط تل أبيب”.

ويضيف عوض، “إسرائيل تستهدف المنازل بحذر شديد خشية من تداعياتها، وفي الوقت نفسه تمارس سياسة الردع الاستراتيجي بتوظيف البعد النفسي، وأن تثبت في وعي المواطنين أن هناك ما يمكن أن يخسروه أو يهدد مصالحهم ومقوماتهم الأساسية”.

من ناحية قانونية، يقول نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، سمير زقوت، إن هذا السلوك يعد “جرائم حرب منظمة ومركبة، لأنه يشمل عملية قتل خارج نطاق القضاء، ومخالفة واضحة وصريحة لقواعد القانون الدولي الإنساني، إذ يتسبب في تشريد العائلات، كما أنه أحد صور العقاب الجماعي”.

من ناحية الفصائل، يقول مسؤول المكتب الإعلامي لحركة “الجهاد الإسلامي”، داوود شهاب، إن استمرار سياسة قصف المنازل “سيكون مقابلها تكثيف قصف تل أبيب والعمق الإسرائيلي”، فيما يعتبر متحدث “حركة حماس” حازم قاسم أن “هذا السلوك فشل في كل المحطات التاريخية في كسر إرادة الفصائل أو صمود الشعب”.

إسرائيل: نعرف كيف نستخدم القوة

وعلى الوجه المقابل، يقول متحدث الجيش أفيخاي أدرعي إنهم يراعون مبادئ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية والتناسب في استخدام القوة، بما ينسجم مع مبادئ القانون الدولي، وجميع الأهداف التي جرى شن غارات عليها ضمن بنك الأهداف العسكرية، وجرى تحذير السكان في حال كان هناك قصف، كما أن الجيش أوقف تنفيذ غارات لوجود أطفال.

ولقي هذا الأسلوب انتقاداً دولياً، إذ يقول متحدث مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان جيريمي لورانس إن التقارير تشير إلى أن المباني التي قصفها الجيش الإسرائيلي تضمنت شققاً سكنية، مما يثير مخاوف جدية بشأن ما إذا كانت هذه الهجمات تتفق مع مبادئ التمييز والتناسب التي تفرق بين الأهداف المدنية والعسكرية وتراعي حماية المدنيين.وأضاف لورانس، “نحن قلقون بشأن ما إذا كان جيش الدفاع الإسرائيلي قد اتخذ الاحتياطات الكافية لتجنب الخسائر في أرواح المدنيين وإصابة المدنيين وإلحاق الضرر بالأعيان المدنية، وتقليلها”.