عمرو الشوبكي
اعتادت مدينة طرابلس الليبية أن تشهد اشتباكات بين فصائل مسلحة، ولكن هذه المرة فجرت مظاهرات غضب طالبت بإسقاط حكومة الدبيبة واحتجاجا على المنظومة السياسية التى تقود البلاد منذ أكثر من ١٠ سنوات.
وتعتبر المنطقة الغربية من ليبيا حلبة صراع محتدم نتيجة تعدد التنظيمات المسلحة داخلها، كما يوجد بها المقار الحكومية والمؤسسات السيادية، ما يجعل السيطرة عليها هدفًا محوريًا فى تحديد موازين القوى داخل ليبيا كلها وليس فقط فى الغرب.
وكانت الاشتباكات قد تفجرت عقب قتل عبد الغنى الككلى قائد جهاز دعم الاستقرار فى كمين نصب له مع ١٠ من حراسة، داخل مقر «اللواء ٤٤٤» التابع لوزارة الدفاع فى حكومة الدبيبة.
صحيح أن هذه العملية استهدفت شخصا شكل ما يشبه جيشا خاصا لخدمة مصالحه وحلفائه داخل أجهزة الدولة، وسيطر على موارد اقتصادية من خلال التهريب والاقتصاد الموازى، وانخرط فى صراع النفوذ داخل المصرف المركزى، إلا أنها تمت خارج إطار القانون، وأن حجة الحكومة هو مواجهه الأجهزة الأمنية الموجودة خارج الدولة، وهو موقف نظريا صحيح، إلا أنه طبق بشكل انتقائى وأن كثيرا من هذه الأجهزة بقى دون دمج فى مؤسسات الدولة الرسمية لأنها تابعة للحكومة أو للدبيبة شخصيًا.
ورغم أن طرابلس تخضع فى أغلبها لحكومة الدبيبة، لكن السيطرة تجرى عبر أجهزة تتفرع فى معظمها لتضم مجموعات مسلحة وفصائل عدة، مستترة تحت غطاء مؤسسات الدولة، وهو ما يجعل هناك صعوبة فى وصف كثير من هذه الفصائل على أنها مؤسسات دولة، حتى لو حملت اسمها.
والحقيقة أنه منذ اليوم الأول لتشكيل حكومات طرابلس وخاصة منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطنى برئاسة فايز السراج ثم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، فإنها جميعا فشلت فى تغيير معادلة الانقسام بين الشرق والغرب، وفشلت فى كل الاستحقاقات التى قالت إنها ستنجزها من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى توحيد المؤسسات، صحيح أن مسؤولية هذا الإخفاق لا تتحمله فقط الحكومة إنما تتحمل جانبًا أساسيًا منه.
وقد فجرت هذه الأحداث مظاهرات حاشدة طالبت الدبيبة بالاستقالة ثم أعقبتها تظاهرات أخرى طالبت «الجميع» بالاستقالة وحل كل الأجسام التى تشكلت منذ نحو ١٠ سنوات وهى حكومتا طرابلس وبنغازى والبرلمان والمجلس الأعلى للدولة.
والحقيقة أن المحاولات الحالية التى يقوم بها البرلمان الليبى بالاستماع لبرامج مرشحين لرئاسة الحكومة لإعطاء الثقة لأحدهما سيكون مصيرها الفشل، حتى لو نجحت فى تسميه رئيس جديد للحكومة، لأن هذا الاختيار سيكون مثل اختيارات سابقة بعضها جاء بإرادة دولية مثل مسار اختيار رئيس الحكومة الحالى وبعضها جاء بإرادة محلية وجميعها لم ينجح فى مهامه.
تحتاج ليبيا لإرادة دولية وإقليمية وداخلية لضمان تنفيذ أى اتفاقات بين فرقاء الساحة الليبية فى أرض الواقع.