عبدالله عبدالسلام
على مدى العقود الماضية وحتى الآن، ظلت أمريكا اللاتينية «معمل اختبار» للعالم النامى. تحدث فيها الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ثم تنتقل منها إلى الدول النامية الأخرى. عرفت دول القارة الحكم العسكرى مبكرا وكذلك الحروب الأهلية والصراعات السياسية والاحتقانات الاجتماعية، التى عانت منها دول آسيا وإفريقيا فيما بعد. حاليا، تعيش أمريكا اللاتينية تفاوتات اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة داخل معظم دولها. المدن الكبرى مثل نيومكسيكو (المكسيك) وبيونس أيرس (الأرجنتين) وريو دى جانيرو (البرازيل) تنقسم على نفسها. الغنى الفاحش يقف متحدياً لا يفصله عن الفقر المُدقع سوى طريق أو كوبرى.
الحدائق الغنّاء وملاعب التنس الضخمة وأحواض السباحة جنبا إلى جنب مع بيوت من الصفيح فيما يسمى «فيلات البؤس» فى العاصمة الأرجنتينية. الأشجار الخضراء النادرة رائعة المنظر تجاورها صناديق خرسانية لا نهاية لها من بيوت الفقراء فى العاصمة المكسيكية. فى أكبر مدن البرازيل ريو دى جانيرو أحواض السباحة الفيروزية الشاسعة تتنافس مع المنازل المؤقتة الفقيرة.
دراسة بحثية أعدتها جامعة فلورنسا أوضحت أن أكثر من نصف عدم المساواة فى الجيل الحالى موروث. الخلفية الاجتماعية هى التى تحدد مستقبل الفرد. مستوى تعليم الوالدين ووظائفهم يحدد مصير أولادهم. الأطفال الذين ينتمون لعائلات أغنى يحصلون على طعام صحى أفضل ويتعلمون فى مدارس أفضل مما يساعدهم على تحسين مهاراتهم والعثور على وظائف أرقى وأكثر دخلا بعكس الأطفال الفقراء. حجر الزاوية، كما تقول ماريا إيبانيز من البنك الأمريكى للتنمية لمجلة الإيكونوميست، هو النمو الاقتصادى. رغم تأثير الخلفية الاجتماعية، إلا أن القاعدة تقول إنه كلما زاد النمو، تراجع الفقر. فى الفترة من ٢٠١٤ حتى ٢٠٢٣، زاد الدخل الحقيقى للفرد فى أمريكا اللاتينية وحوض الكاريبى ٤٪ فقط، بينما بلغ ٤٦٪ فى جنوب آسيا خلال الفترة ذاتها. الحكومات اللاتينية لجأت إلى زيادة الحد الأدنى للأجور، لكن هذا الحل له حدود. ارتفاع الأسعار يلتهم الزيادات. إصلاح النظام الضريبى قد يساعد، لكنه لا يحل مشكلة اللامساواة. كما أن العائدات الضريبية تقل مع تراجع النمو. برامج الرعاية الاجتماعية تواجه مشاكل ولا تلبى كل الاحتياجات. نقطة البدء الأساسية هى النمو الاقتصادى بنسب كبيرة. ودول القارة تعانى من تراجع النمو المستدام على مدى السنوات العشر الماضية.
هذا التخبط الاقتصادى أدى إلى تفاعلات اجتماعية وسياسية حادة. احتجاجات عنيفة فى شيلى عام ٢٠١٩. استياء شعبى كبير فى معظم دول القارة. حالات غضب سرعان ما تتحول إلى انفجارات شعبية. أمريكا اللاتينية أصبحت نموذجا لعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية فى العالم، إلى جانب دول إفريقيا جنوب الصحراء. إنها تمثل جرس إنذار لبقية الدول. أحواض السباحة وملاعب التنس والفيلات الرائعة و«الكومباوندات» الحصينة من الصعب أن تتعايش طويلاً مع أكواخ الفقر والعشوائيات. استراتيجيات معالجة تداعيات اللامساواة مهمة للغاية لكن دون نمو اقتصادى حقيقى، لن يكون هناك نجاح فى تضييق الفجوة التى تتسع باستمرار. إذا أردنا تقليل اللامساواة، علينا أن ننمو. توفير وظائف حقيقية ذات دخل كريم لأبناء الأسر الفقيرة هو العلاج الناجع. وجود الزيت والنار متقاربين وصفة للاشتعال.