هيثم العايدي
من قبل أن تبدأ الإجراءات التي اتخذها العالم للتصدي لجائحة تفشي فيروس كورونا وملامح الانكماش الاقتصادي تخيم على العالم لتأتي هذه الإجراءات لتفاقم من أزمة الاقتصاد العالمي وتقضي على بعض بوادر التعافي من أزمات سابقة لتضع العالم في أزمة غير مسبوقة تراجعت خلالها مؤشرات جميع القطاعات الاقتصادية، ما يضع العالم أمام تحدي إعادة بناء الاقتصاد بعد الإعادة الجزئية أو الكلية للأنشطة الاقتصادية.
فقبل التوسع في الإجراءات الاحترازية شهد الربع الأول من 2020 انكماشا في الاقتصاد العالمي بـ1.3٪ حيث قاد هذا الانكماش انخفاضا بنسبة 6.8٪ في الناتج المحلي الإجمالي للصين (باعتبارها مصنع العالم الذي يقود نموه الاقتصادي).
وحتى بعد البدء في استعادة الأنشطة تشير التوقعات إلى تحديات كبيرة تواجهها الشركات التي ستخرج من الأزمة بتراجع في السيولة لتبدأ العمل في ظل تراجع الطلب على منتجاتها وخدماتها مع استمرار التزاماتها من مصروفات تشغيل وغيره مع ضغوطات على سوق العمل جراء كم الوظائف التي تم شطبها خلال فترة الإجراءات الاحترازية.
وتتفاقم الأزمة في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا منطقة الخليج، حيث إن هذه البلدان ما لبثت أن تعافت من انهيار أسعار النفط في عام 2014 وما سببه ذلك من ضغط على ميزانياتها واحتياطاتها المالية وتصنيفاتها الائتمانية لتأتي أزمة كورونا لتعيد أسعار النفط إلى التراجع.
ومع التسليم بأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات من أجل مساعدة القطاع الخاص على استدامة أعماله أو الإبقاء على الأيدي العاملة فيه فإن الحكومات بالتأكيد لن تتمكن من الاستمرار في هذه الإجراءات إلى الأبد .
كذلك فإنه يجب الإقرار بأن استعادة الحركة الاقتصادية لن تكون بالدرجة التي كانت عليها قبل الجائحة، حيث إن قطاعات بعينها وتحديدا قطاعات السفر والسياحة أو الترفيه ستأخذ وقتا ربما يكون كبيرا للعودة إلى ما كانت عليه, كما أن القطاعات الأخرى التي ظلت تعمل وقت الجائحة ستواجه نموا هشا نظرا لارتباطها بقطاعات أخرى ما زالت تعاني.
وبالاضافة إلى ذلك فإن سوق العمل وباعتباره أحد أكبر المتضررين من الأزمة سيواجه تحديا من نوع آخر يتمثل في انفصال العاملين عن أجواء العمل لشهور متتالية، سواء من خلال المكوث بلا عمل أو العمل عن بعد الذي انتهجه عدد من المؤسسات ما يعني تأثر عدد من المهارات، وبالتالي صعوبات أكبر تتفاقم مع ازدياد المعروض من الأيدي العاملة عن الطلب واحتياج المؤسسات.
ومثل هذه التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد العالمي تستدعي حلولا تضع تركيزها في المقام الأول على استدامة عمل مؤسسات القطاع الخاص، سواء الشركات الكبيرة أو الصغيرة والمتوسطة وذلك من خلال خلق فرص وإيجاد مشاريع لتشغيل هذه الشركات، ما ينسحب على تشغيل القوى العاملة وتنشيط القطاعات الأخرى، حيث إن هذا الأمر مناط بالحكومات عبر توجيه جزء من ميزانيتها بتنفيذ مشاريع تنموية كبرى.
فكل مشروع من هذه المشاريع الكبرى يستدعي بالتأكيد وجود عدد من الشركات التي تتولى التنفيذ، الأمر الذي يستدعي وجود قوى عاملة تتقاضى أجورا توجه جزءا منها للاستهلاك، الأمر الذي يعمل على تنشيط قطاعات أخرى عبر زيادة الإقبال على منتجاتها ما يساهم في تدوير عجلة الاقتصاد.