صادق الازرقي
في الوقت الذي كشفت فيه اللجنة القانونية البرلمانية عن وقوف بعض القادة السياسيين بوجه تمرير قانون مزدوجي الجنسيـة ومنع اقراره، بحسب تصريح لعضوة فيها، وكذلك تهربهم من التصويت على قوانين هامة تخص حياة الناس ومعيشتهم ومستقبل ابنائهم؛ فان بعض نواب المجلس الذين فشلوا في متابعة امور ناخبيهم وانقاذهم من مشكلاتهم وفي طليعتها الفساد الذي خرب البلد والبطالة وانهيار الأمن والخدمات وغيرها؛ يستميتون في هذه الايام لتسريع فرض قوانين متخلفة تتعلق بالأحوال الشخصية لعامة الناس وربط العراقيين، ولاسيما النساء بقوانين بدائية وكأننا، لم نزل نعيش في العصور الغابرة من أيام الجنس البشري.
يحاول هؤلاء الفاشلون وضع مسوغات غير منطقية لتعليل اصرارهم على التلاعب بقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 بالزعم ان التعديلات عليه ـ او القانون الجديد الذي يمنون النفس بسنه ـ لن تفرض على احد طريقة واسلوب الزواج مثلاً واجراءاته، محاولين خداع الناس بالخطاب الطائفي ذاته الذي ادى الى خراب البلد، ويريدون الآن ان يوسعوا هوة التخريب لتشمل النسيج الاجتماعي ككل؛ بهدف تقسيم المجتمع وخلق البغضاء بين فئاته لإدامة سطوتهم وسرقاتهم.
ان القانون رقم 188 لسنة 1959 وبإقرار معظم رجال القانون والاقتصاد والسياسة بحسب دراساتهم وتصريحاتهم طيلة تلك العقود التي مرت منذ اقراره والعمل به، يعد من انجع القوانين التي سنت، المتعلقة بالأحوال الشخصية لبني البشر ومن اكثرها عدالة وانسانية؛ واذا كان فيه بعض السلبيات فيستوجب معالجتها بطريقة اكثر تحضراً، وفضلا عن ذلك فان امور الزواج والقضايا الاجتماعية الاخرى كانت تسير دائما في العراق بسلاسة والزيجات تعقد بصورة سليمة وانسانية و لا توجد منغصات في هذا المضمار، فلماذا الاصرار على التعديلات الطائفية التي يلح عليها سياسيون من كلا الطرفين في الوقت الذي يكافح الناس من اجل الوحدة وتجاوز المحاصصة البغيضة، التي اهلكت الوطن وتسببت في ازماته المتوالدة التي اوصلته الى حافة الانهيار.
وبغض النظر عن المرامي الخفية لمن يروج للتعديلات على القانون ومآربهم الشخصية والعامة التي يسعون اليها من وراء التعديلات؛ او حتى سن قانون جديد فيما لو سكتت منظمات المجتمع المدني عن مسعاهم الخطير، فان كارثة كبرى ستحيق بالبلاد تضاف الى سلسلة الكوارث التي تسببوا فيها. والغريب هنا ان “الطائفيين” من كلا الطرفيين رحبوا بالتعديلات المقترحة؛ بل ان رئيس مجلس النواب الذي حاول ان يركب الموجة ويسوق نفسه كـ “مدني” عن طريق تأسيس ما اسماه “التجمع المدني للإصلاح” قد عاد الى اصله كـ “إسلامي” ليدعم التعديلات .
وبصفتنا من عامة الناس ولسنا قانونيين، وهذا يشمل ايضاً بقية العراقيين، فاننا نرى في المحاولات التي تجري لإقرار التعديلات على قانون رقم 188 لسنة 1959 مساعي مخجلة للنكوص الى عصور التخلف من دون مراعاة لتطور المجتمعات البشرية التي قطعت اشواطاً في تطورها ونموها؛ وهذا يثبت وجاهة المطالب الشعبية بفصل الدين عن السياسة، وبناء دولة المواطنة المدنية التي تحتفي بالإنسان بصفته البشرية التي يشترك فيها بنو البشر كافة من دون الالتفات الى اعتبارات اخرى تخص الفرد، ويجب الا تقحم في مضمار البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ لأنها ستكون عندئذ وبالاً على الناس، مثلما حصل عندنا طيلة المدة الماضية وكيف نعيش الآلام وندفع التضحيات الكبيرة بسبب هذا الاقحام.