اخبار سياسية

الأردن… ارتفاع تكاليف الحطب يُضيّق خيارات الدّفء على الفقراء

تكاليف الحطب تزداد عاماً بعد آخر في الأردن.

تزداد معاناة أردنيين خلال الشهرين الحالي والمقبل، بحثاً عن الدفء في فترة تعد الأكثر برودة خلال فصل الشتاء، وفيها تشتد وتيرة المنخفضات الجوية العميقة التي غالباً ما تشهد تساقطاً للثلوج، وذلك وسط ارتفاع لافت في أسعار الحطب الذي ظل كثيرون من الفقراء وذوي الدخل المحدود يعتبرونه ملاذهم والبديل الملائم من المدافئ التي تحتاج إلى مشتقات نفطية لا يقدرون على تكلفتها.
أسعار الحطب شهدت ارتفاعاً وصل إلى 40% في فصل الشتاء الحالي، ما دفع كثيرين إلى الاستعانة بـ”جفت الزيتون” بوصفه خياراً أقل تكلفة، إذ يوضع في ما تُعرف بـ”صوبات الحطب والمواقد الحجرية”، وذلك بعد إنتاجه من مخلفات الزيتون بعد عصره. “بعض التجار لا يرحمون الناس”ومن محافظة عجلون شمالي المملكة التي تمتاز بطقس شديد البرودة في الشتاء، وتقع على مرتفعات جبلية شاهقة بارتفاع يراوح بين 1000 و1250 متراً عن سطح البحر، يقول المواطن توفيق الأحمد إنه يُجري بداية كل شتاء اتصالات مكثفة مع تُجّار الحطب، لشراء حاجته من هذه المادة التي يعتبرها خير بديل لمدافئ الغاز والكاز، وخصوصاً أنه من ذوي الدخل المحدود حاله كحال شريحة واسعة من أهالي المحافظة. 

“من وين بدنا نجيب مصاري” يضيف الأحمد لـ”النهار العربي”، في إشارة إلى الأوضاع المادية الصعبة، مشيراً إلى أن “بعض تُجّار الحطب لا يرحمون الناس، إذ يرفعون الأسعار جنونياً مع الدخول في فصل الشتاء وتزايد الإقبال على هذه المادة، وهذا العام تجاوز سعر الطن الواحد (1000 كيلوغرام)، الـ200 دينار (286 دولاراً) للأصناف الجيدة مثل السنديان، وهذه الكمية بالكاد تكفي الأسرة لموسم الشتاء كاملاً”.
ووفق الأحمد، فإن أسعار الحطب تكون في فصل الصيف أقل بنسبة النصف مقارنة بفصل الشتاء، ملقياً اللوم على بعض التجار والجهات الرقابية الواجب عليها تنظيم سوق الحطب ووضع سقوف سعرية تحمي الطبقات الفقيرة المستهلكة لهذه المادة. ويلفت إلى أنه يضطر لشراء الحطب مهما ارتفع السعر، لسببين، الأول هو أن تكلفة الحطب تبقى أقل من وسائل التدفئة بالكاز أو الغاز، والثاني أنه يستخدم مدفأة الحطب لتسخين الماء والطبخ، وأحياناً يتم إعداد الخبز عليها. ارتفاع التكاليف والطلبمن جهته، يلخص تاجر الحطب فارس الحمدان لـ”النهار العربي” أسباب ارتفاع أسعار الحطب بقوله إن “المسألة تتعلق بالعرض والطلب، وهذه طبيعة كل الأسواق في الأردن، إذ إنه كلما ارتفع الطلب على مادة ما يرتفع سعرها، وكلما قل الطلب ينخفض السعر”. ولم يغب عن بال الحمدان أن يتطرق إلى تكاليف جلب الحطب وتجهيزه، مؤكداً أنها “ارتفعت أيضاً على التاجر، من حيث أجرة التحطيب وكلف وقود الشاحنات والمعدات الخاصة بالتقطيع وأجور العمال والمحال التجارية، وكل هذه الكلف لا بد أن تنعكس على المنتج النهائي”. ويلفت إلى أن العديد من تجار الحطب لا يحققون أرباحاً كبيرة، خصوصاً مع تراجع الإقبال على شراء هذه المادة، إذ لم يعد التاجر يبيع الكميات نفسها كما في السنوات السابقة بسبب تراجع القدرة الشرائية للعائلات، واللجوء إلى “جفت الزيتون”. 

وفي بعض المحافظات ومناطق العاصمة عمان، يشير الحمدان إلى أن العديد من تجار المحافظة باتوا يبيعون الحطب بالأقساط، لتجنب بقاء منتجاتهم دون بيع لنهاية الشتاء، وعندها لن يتمكن من بيع كيلوغرام واحد بسبب ارتفاع درجات الحرارة وعدم حاجة الناس للتدفئة.
في سياق كهذا، لا يمكن القفز عما تُعرف بـ”مافيات الحطب” في الأردن، التي تمارس التحطيب الجائر في الشتاء بقصد التجارة، إذ سبق أن قالت وزارة الزراعة إنها تقاتل على جبهتين، الأولى ضد مثل تلك الممارسات، والأخرى ضد الحرائق في الصيف، ويكون جزء منها مفتعلاً بهدف الحصول على كميات كبيرة من الحطب لغايات التجارة وكسب المال. وتبلغ مساحة الأراضي الحرجية المسجلة في الأردن، حوالي مليون و67 ألف دونم تقريباً، منها 880 ألف دونم مغطاة بالأشجار الحرجية، أي ما يعادل 1 بالمئة من مساحة المملكة. “حطب حكومي” بسعر رمزيووفق بيانات صدرت أخيراً عن وزارة الزراعة، فإن مديريات الحراج المنتشرة في المحافظات تقوم بجمع الأحطاب والمخلفات الناتجة من الأشجار الميتة أو التي يتم تقليمها، ثم يتم بيع الأحطاب للمواطنين بسعر رمزي يبلغ 52 ديناراً للطن الواحد، يضاف إليه بعض الرسوم البسيطة. الناطق باسم وزارة الزراعة الأردنية لورنس المجالي يقول من جهته لـ”النهار العربي”، إن مديريات الحراج تقوم بتجميع الأحطاب، ثم يتم التنسيق مع وزارة التنمية الاجتماعية لتوزيع الكميات على الأسر الفقيرة المدرجة في كشوفات معدة خصوصاً لهذه الغاية. وأوضح المجالي أن عمليات التوزيع تتم وفق المناطق الجغرافية، بمعنى أن الأحطاب التي تجمعها مديرية حراج محافظة عجلون يتم توزيعها على الأسر الفقيرة في المحافظة ذاتها، وهذا ينطبق على جميع الأقاليم والمحافظات، لافتاً إلى أن توزيع هذه الأحطاب يخفف عن الأسر الفقيرة تكاليف التدفئة خلال فصل الشتاء.