الأردن: المظاهرات والتحدي بين الشعب والسلطة.. الاساليب القديمة لم تعد ناجعة.. واستخدام العشائرية تجاوزه الزمن

1

 
عبد الفتاح طوقان
المظاهرات والاحتجاجات او ما أصبح يسمي بالحراك الشعبي والذي منذ ١٤ يناير ٢٠١١ حمل اسم ” يوم الغضب” وقت المطالبة بتنحية وحلّ حكومة دولة سمير الرفاعي وتعيين “حكومة إنقاذ وطنيّ تقودها شخصية قريبة من الشعب”، هي نفسها الدائرة اليوم تحت اسم ” أيام الغضب” ولكن بأكثر فعالية وقوة وحشد مطالبة بتنحية وحل حكومة الدكتور هاني الملقي منذ عام ٢٠١٧ والي اليوم دون ان تحل.
الاحتجاجات ملخصها الاعتراض على الفقر والتهميش والفساد والحكومة الضعيفة في ثلاثية البطالة، والغلاء، والضرائب.
ويتساءل الشارع عن السبب الداعي للتمسك بحكومة ضعيفة يثور عليها الشعب علما ان حكومة سمير الرفاعي لم تأت بقوانين ظالمة ولم ترفع الأسعار ولم تفعل ما فعلته حكومة د. الملقي او ما أملى عليها واجبرت عليه نتيجة قرارات حكومات سابقة وتوصيات بنك دولي؟، ومع ذلك اطيح بحكومة “الرفاعي” بناءا على مظاهرات واحتجاجات في الشارع اقل بكثير مما يحدث الان.
يتساءل الشارع هل هناك مبرر للإبقاء على حكومة د. الملقي يجهلها الشعب؟، أم هناك مزيد من القوانين السيئة والإجراءات في الطريق للتنفيذ قبل ان تطير؟
القضية هنا ليست شخصية الرئيس الدكتور هاني الملقي، الذكي والأمين والمجتهد الذي وضع في حفرة ليست من صناعته، ولكن قرارته وضعف طاقمه الوزاري هو الذي أشعل الغضب.
المظاهرات والاحتجاجات التي تحدث الان وتتزايد في الأردن، وتعدت ثلاثة الاف مظاهرة خلال سبع سنوات حسب احصائيات وبيانات الحكومة، في عهده وعهد من سبقه، هي نوعا من التعبير الشعبي الرافض لقوانين ظالمة وقرارات غير موفقة مست الوطن والمواطن، وبالتالي قام ويقوم بها الشعب مجتمعاً، وقامت وتقوم به الأغلبية في مختلف مدن المملكة.
ويتداول المواطنين تلك المظاهرات الحديثة والقديمة ضمن فيديوهات مصورة من مواطنين أردنيين مقيمين على الأرض الأردنية، مواطنين مشاركين في الاحتجاجات لا مواطنين أردنيين خارج اسوار الأردن، تذكيرا بألم الشعب وما مر به دون أي محاولة حكومية او اهتمام بإيجاد حلول جذرية للتخفيف عن معاناة الامة، وتعبيرا شعبيا رافضا للواقع ومساهمة في نشر ومشاركة واخراج الهم الوطني من النفس الي العلن، من الأردن الي العالم لعل ان يسمع صوت شعب يختنق.
الأصوات المحتجة التي سببها الوضع الاقتصادي المتردي والحريات المنعدمة والقرارات السيئة وجدت أن وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على تجاوز عصا الامن الغليظة وتكسر كل حواجز التكتم والتكتيف واغلاق الافواه والتلاعب في الاعلام.
لم يعد منهج منع الجرائد والمجلات من الدخول الي الأردن، حجب المواقع، سحب الكتب من الأسواق، اغلاق محطات البث والتشويش عليها، اعتقال أصحاب الرأي مفيدا، فتلك الوسائل الحديثة خلقت غلافا سماويا، “جالاكسي”، يحمل ملايين وملايين من حريات وأفكار قادرة على مقارعة كذب الحكومات واظهار فشلها وتدليسها واخفاؤها للحقائق والوقائع.
في العادة أن تلك المظاهرات والاحتجاجات هدفها الضغط على الحكومة من أجل تحقيق مطلب او مطالب، للمواطن، كأحد أشكال المشاركة السياسية في بلد لا يوجد به أحزابا وطنية قوية ذات نهج وبرامج، واغلب الحكومات بلا ولاية عامة، ضعيفة، اتت للترضية وهي منزوعة الإرادة والدسم، مستأصل منها الوزارات السيادية مثل الخارجية والدفاع.
وفي العادة كان سلاح المظاهرات والاحتجاجات مفتاحا في يد الملك لإقالة الحكومات التي أتت بتلك القوانين، بعد ان يتم تطبيق القوانين من قبل حكومات تأتي وتذهب لهذا الهدف لا غير، لامتصاص الحراك الشعبي فيطاح بها بعد تنفيذ المهمة.
القضية تحتاج الي مكاشفة وصراحة وصدق في التعامل مع الشعب ومكاشفته بالحقائق قبل وبعد واثناء استخدام المفتاح.
ورغم أن التظاهر فعل سياسي جماعي، يتطلب تنظيماً وتحديداً للأولويات، وتلك من السمات المهم تواجدها في أي مجتمع هدفها اصلاحي في الغرب الديمقراطي، لكن في الاردن مع القرارات والقوانين سيئة السمعة المتكررة لم يعد التنظيم مهما، بعد ان فقد المواطنين كثير من حقوقهم وتم التعدي على جيوبهم وافقارهم.
واقصد لم تعد الدعوة للتظاهر مهمة ولم يعد مقلقا للمتظاهرين الطرف الاخر بكل ادواته سواء السلمية أو القمعية، فقد طفح الكيل كما يقول المثل وأصبح التعبير العفوي بتداول فيديوهات وصور ومقالات أساس الرفض للسياسات بغض النظر عن تاريخ الملصقات والمقالات والمظاهرات، وأصبح المتظاهر غير المسيس اداه جاهزة لمن يريد قياده الشارع الغاضب.
“القدم او التاريخ ” للمتداولات على وسائل التواصل لا ينفي حدوث الاحتجاجات ولا يلغي حقيقتها. الكل يعلم ان عدد الاحتجاجات والمظاهرات الحالية هي الاكبر منذ الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في عام ١٩٨٩ وقت “انتفاضة معان” التي عرفت بهبة نيسان في الجنوب.
لذلك لا بد من طريقة تعامل مختلفة وعقلانية مع ما يحدث على الساحة الأردنية التي حرقتها نار الحكومة، وهنا يأتي دور الاعلام المتطور الذي من المفترض أن يحترم عقل الشعب وأن يتوافق مع أدوات العولمة والثقافة العابرة للقارات وهو ما تفتقده الحكومة الضعيفة “والضعيفة جدا” بدلالة هتافات اغلب المدن الأردنية المطالبة بإسقاطها.
على الحكومة ان يكون لديها خطة وطنية في مجال حقوق الإنسان والديموقراطية من أجل حماية حقوق المتظاهرين والرقي بالممارسة الحقوقية بالشارع وحق التداول الامن في وسائل التواصل للتسجيل السمعي والبصري عوضا عن التهديد بقوانين الجرائم الالكترونية والتكذيب “الكاذب” الذي يأتي بنتائج عكسية.
أن افراد المجتمع المتضررين لديهم النية والاستعداد للخروج والتعبير عن حالة الرفض دون “الدعوة لها” لأول مرة في تاريخ الاردن، ولديهم أدوات التواصل ولديهم خوف على الوطن ومستقبلهم يعبرون عنه بكافة الطرق والذي تعتقد جهات امنية انها حالة من التمرد المستشري بينما هي حالة تحدي سلمي مشروع بين الشعب المقهور والسلطة الظالمة التي تريد تجويع الشعب.
الأردن لكل الأردنيين حق لا نقاش فيه او تعدي عليه، لذا يري كثير من الساسة أن التلاعب بأوراق أردني في الداخل وأردني في الخارج، أردني من الشمال وأردني من الجنوب، واستخدام ورقة العشائر ومحاولات تقسيمها واستقطاب بعضها في مواجهة الاخرين امرا في منتهي الخطورة.
لذا لا بد من مصارحة ومكاشفة وتغيير الأساليب القديمة والأسطوانات المشروخة التي تصدر عن ابواق تابعة للحكومة والامن حتى لا يتصاعد التوتر الذي تخطي “رئيس الحكومة” ومطالبته بالتنحي ورفعت فيه سقف المطالبات.
رفض الحكومة مسيرات واحتجاجات أحيانا واعتبار الاحتجاجات «مخالفة للقانون» ومطالبة المواطنين بعدم تداول مقاطع مسجلة حقيقة خطاء فادح نتائجه عكسية ولا تحمد عقباه ودليل فشل تام للحكومة في معالجة الأمور وعدم التفات لمصالح الشعب المهدرة.
ان وسائل التواصل تستخدم المخزن الذي أنشأ على الانترنت وبه سيل من ملفات الفيديو الذي تم تحميلهم، وهي بمثابة مستودع متشعب لغضب الشعب.
مطلوب علاج المرض لا الاعراض لأن شتاء الأردن مستمر والنار تعدت الحطب.

التعليقات معطلة.