“الواقع المائي الأردني يعني العطش”، هكذا عبر وزير المياه رائد أبو السعود، وهو يتحدث لوسائل الإعلام في مؤتمر صحافي قبل أيام، قال فيه أيضاً إن المملكة تحتاج إلى 400 مليون متر مكعب من المياه لتصل إلى خط الفقر المائي، في حين تبلغ حصة الفرد سنوياً 61 متراً مكعباً فقط.
تصريحات الوزير ليست مستغربة في بلد معروف بأنه من أفقر دول العالم بالمياه، لكن المخاوف تزداد من تعمق الأزمة على وقع تحديات داخلية من أبرزها استمرار سرقات كبيرة للمياه من خلال الاعتداء على مصادرها وازدياد عدد السكان على وقع موجات اللجوء، وتحديات أخرى خارجية ترتبط بتعثر اتفاقية الماء مقابل الكهرباء مع إسرائيل، والتي أعلن الأردن أنه لن يوقعها رسمياً في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وكذلك عدم تعويله على مياه حوض اليرموك التي يزوده بها الجانب السوري بموجب اتفاقية بين البلدين.
ولم يفت الوزير في مؤتمره الصحافي أن يلفت إلى موجات اللجوء التي شهدتها المملكة، وأثرها المتعلق برفع الطلب على المياه بنسبة 35%، متطرقاً في الوقت ذاته إلى أن الفاقد المائي (المياه المهدورة) يبلغ حوالى 50% من الحجم الكلي للمياه، 80% منها بسبب السرقات، و20% تنتج عن اهتراء شبكات أنابيب المياه، فضلاً عن أثر التغييرات المناخية على الهطول المطري، وأثرها كذلك على الأحواض المائية في الأردن.
“مياه لا تكفي لمليوني نسمة”
ولا تكفي المياه في الأردن لأكثر من مليوني شخص من أصل 11.5 مليون نسمة هم عدد سكانه، وفق ما يؤكد لـ”النهار العربي” الخبير المائي الدكتور دريد محاسنة، مستنداً إلى الأرقام المتعلقة بالحد الأدنى لنصيب الفرد من المياه.
وعن أسباب تفاقم الأزمة، يرجعها محاسنة إلى أن “المصدر الرئيسي للمياه في الأردن الأمطار، ويُعتمد عليها لملء السدود وتغذية المياه الجوفية، لكننا نشهد تبخر 90% من الأمطار الهاطلة والبالغة نحو 8 مليارات متر مكعب، إضافة إلى زيادة عدد السكان واتساع رقعة البناء، ما أدى إلى تلاشي بعض الأودية والسيول الرافدة للمياه الجوفية والسدود”.
معضلة نهر اليرموك
وتطرق إلى نهر اليرموك المشترك مع سوريا، قائلاً إن “حصة المملكة منه تراجعت كثيراً بعدما حفرت دمشق سدوداً وآباراً لري الخضروات بعد التحول من زراعة أشجار الزيتون والمحاصيل البعلية التي لم تكن تؤثر على مياه نهر اليرموك إلى زراعة الخضروات التي تستهلك مياهاً أكثر”، موضحاً أنه “في عام 1987 تم توقيع اتفاقية لتقاسم مياه حوض اليرموك بين الأردن وسوريا، ولأن معظم الينابيع ومصادر النهر موجودة في سوريا، نصت الاتفاقية على أن الجانب السوري يُشيّد 26 سداً فقط، لكنهم بنوا 46 سداً، وزاد العدد بعد الاضطرابات الأمنية في البلاد”.
وفي محاولة لتدارك الأزمة، وفق محاسنة، “اتفق الأردن وسوريا على بناء سد اليرموك، بهدف الحصول على 300 مليون متر مكعب من المياه، لكن السد لم يتسع سوى لـ 110 مليون متر مكعب، ولم تحصل المملكة إلا على 26 مليون متر مكعب فقط، واتُّهم السوريون بعدم تزويد الأردن بتلك الكميات على مدار سنوات”.
تهرب إسرائيل من التزاماتها
وبشأن إسرائيل، يتابع الخبير المائي، “لم تلتزم تل أبيب بنصوص تقاسم مياه نهر الأردن الواردة في معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية والتي تنص على حصول الأردن على 10 ملايين متر مكعب إضافية من مياه النهر، مقابل أن تقوم المملكة بحفر آبار في الجنوب لتعويض إسرائيل عن الكميات المسحوبة من النهر”.
كما تنص الاتفاقية وفق المحاسنة على “تزويد الأردن بـ50 مليون متر مكعب من المياه، لكن إسرائيل رفضت تطبيق البنود لسنوات، وفي العام 1998 تم الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي على تزويد المملكة بـ25 مليون متر مكعب بشكل مجاني، وبعد عام واحد تراجع الإسرائيليون وأصبح الأردن اليوم يشتري المياه من إسرائيل لسد حاجته السنوية”.
ويضيف محاسنة: “بعدما توقف مشروع ناقل البحرين، ذهبنا باتجاه مشروع الناقل الوطني، إذ طرح العطاء لخمس شركات، ثم انسحبت 4 منها وبقيت واحدة، والسبب الرئيسي للانسحاب هو عدم إيجادهم جدوى مالية من المشروع، إضافة إلى عدم قبول بعض الشركات شروط الاستثمار، كما أن ثمة شركات لا تريد تنفيذ المشروع كاملاً بمختلف أجزائه”.
تعويل على مشروع الناقل الوطني
وضمن الحلول الاستراتيجية للأزمة، سارعت وزارة المياه في المملكة إلى طرح مشروع الناقل الوطني الهادف لتحلية مياه البحر الأحمر أقصى جنوب الأردن، ونقلها عبر أنابيب إلى عمان والمحافظات كافة، وفق الناطق باسم الوزارة عمر سلامة، الذي يؤكد أن المشروع سيوفر 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنوياً لأغراض الشرب والزراعة والصناعة، وسيقلل من اعتماد الأردن على المصادر الخارجية.
ويقول سلامة لـ”النهار العربي”، إنه “من المتوقع حال استكمال جميع إجراءات طرح وتنفيذ المشروع لبدء ضخ المياه، التحول للتزويد المستمر”، مبيناً أن “المشروع استراتيجي وطني أردني بامتياز، يهدف إلى ضمان تحقيق الأمن المائي للأردن ضمن خطة وضعتها الوزارة لإيجاد حلول مستدامة تعمل على حل جوانب المشكلة المائية كافة”.
ويلفت إلى “أن ائتلافاً واحداً من 5 ائتلافات عالمية تقدم لتنفيذ المشروع، وشرعت لجنة من الوزارة في دراسة العرض من الناحيتين الفنية والمالية، على أن تعلن النتائج والقرارات في أقرب وقت ممكن”.
ويضيف سلامة أن “المشروع سيعتمد على الطاقة الشمسية، بهدف تقليل الكلف المالية، وبالتالي يكون سعر المتر المكعب الواحد من مياه الشرب ضمن قدرة المواطن، وضمان استدامة المشروع لتغطية احتياجات الشرب خلال العقدين المقبلين”.