ميرزا الخويلديكاتب و صحفي سعودي
مَنْ مِنَ المثقفين العرب، لا يعرف محمد عبد الرحمن الشارخ؟ رجل الأعمال الكويتي الذي سخّر ثروته لخدمة الثقافة، الكثير يعرفون كومبيوتر «صخر» أول حاسب آليّ عربي، وحزمة البرامج التي صاحبته وأهمها برنامج القرآن الكريم وكتب الحديث، وترجمتها للغة الإنجليزية، ثم برنامج التعرف الضوئي على الحروف العربية، ومشروع «كتاب في جريدة»، وبرنامج «ترجم»، الذي سهّل تحويل النصوص بين اللغتين العربية والإنجليزية، قبل أن تمطرنا البرامج المشابهة التي تقف خلفها شركات عملاقة مثل «مايكروسوفت».
في عام 2016 بدأ محمد الشارخ، في مشروعه العظيم «أرشيف الشارخ» للمجلات الأدبية والثَّقافية العربية وتحميلها على شبكة الإنترنت، وهو جهد استثنائي وكبير تمكّن من خلاله ليس فقط من الحفاظ على التراث الثقافي العربي وإنما من جعله متاحاً لملايين الباحثين والمثقفين العرب. يحوي الأرشيف نسخاً من أمهات المجلات العربية القديمة والحديثة، إذ يبلغ عدد المجلات (272 مجلة)، عدد الأعداد فيها (15824 عدداً)، وعدد المقالات (325 ألفاً و625 مقالة)، وعدد الصفحات (أكثر من مليوني صفحة)، وعدد الكتاب (52 ألفاً و76 كاتباً عربياً وأجنبياً).
تحمل تلك المجلات مخزوناً ثقافياً عربياً، ليس فقط لأنها تضم مقالات رواد الحركة الفكرية والأدبية العرب في عصر النهضة، ولكنها كانت مسرحاً للحراك الثقافي والأدبي، ومؤشراً على مسار الوعي الفكري آنذاك، كانت الصحف والمجلات ميداناً لحركة النشر الأدبي والفكري في أهم حواضر الثقافة العربية خصوصاً مصر، من بينها مجلة «الهلال» التي صدرت عام 1892، ومجلة «الأستاذ» التي أصدرها عبد الله النديم في 1982، و«المقتطف» التي صدرت بين عامي 1876 و1952، ومجلة «الرسالة» لأحمد حسن الزيات وصدرت عام 1933، وكتب فيها رموز الأدب العربي أمثال: (طه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وزكى نجيب محمود، وعباس العقاد، وأحمد أمين، ومحمود محمد شاكر، وأبو القاسم الشابي، وغيرهم).
هذا الأرشيف الثقافي العظيم مهم لأنه يتيح للباحثين الوصول إلى المعلومة بدقة وبسرعة، ويضع أمامهم ذخيرة متنوعة ومتعددة من المقالات والدراسات لعمالقة الثقافة العرب وغيرهم، توفيراً للجهد والوقت، وتيسيراً للبحث.. لكنّ أهمية هذا الجهد أنه يثير الحماس في المؤسسات الثقافية وفي الصحف والمجلات القائمة اليوم لكي تبادر هي الأخرى إلى الاعتناء بالأرشيف الثقافي، فكل صحيفة أو مجلة تمتلك مخزوناً هائلاً من المقالات المنشورة في مجالات الأدب والشعر والنقد والسيرة وقراءة الكتب والحوارات ونشر الأحداث الثقافية وقراءة الظواهر الثقافية وتحليلها، عدا المقالات الفنية والسينمائية… والكثير منها عابر لظرفه الزماني والمكاني، وهو صالح لإثراء الرصيد الثقافي وجعله متاحاً للقراء والباحثين وصُنّاع المحتوى المسموع وغيرهم.
هناك مجلات ثقافية حمّلت بالفعل أرشيفها من الأعداد السابقة على شبكة الإنترنت، مثل مجلة «العربي» الكويتية، وغيرها، ولكن ماذا بشأن بقية المجلات؟ وماذا بشأن الصحف اليومية التي تحمل أعدادها يومياً عدداً كبيراً من المقالات الثقافية التي تستحق أن تُحفظ من النسيان، ولديها الجاذبية والكفاءة لإثراء المحتوى الثقافي العربي الرصين والهادف. المطلوب إعداد هذه المواد وتبويبها وتحميلها في مواقع الصحف، يمكن أيضاً إعادة إنتاجها في مدونات صوتية تجعل المحتوى الثقافي أكثر قوةً ورصانة، وأوسع انتشاراً.