الألحان غذاء النباتات

1

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً موسعاً عن دراسة أجرتها “جامعة فليندرز”  Flinders University الأسترالية أثبتت أن الموسيقى الإيقاعية تحفز نمو النبات، لكن بصورة غير مباشرة، عبر تنشيط نوع من الفطريات معروف بقدرته على زيادة نمو النباتات ويحميها من أمراض كثيرة.

ثمة تاريخ طويل لتحفيز أجساد البشر بواسطة موسيقى الرقص. وفي العقود الأخيرة، برز تدهور البيئة باعتباره تحدياً مصيرياً للبشرية. وأضحت جهود تجديد المصادر الطبيعية باعتبارها من الأبعاد الأساسية في الحفاظ على البيئة ولجم تدهورها. وركّزت مساعي تجديد تلك المصادر على العناصر والمكونات المادية المباشرة فيها، خصوصاً بالنسبة إلى النبات الذي يعتبر من الأركان الأساسية للبيئة. بالتالي، تكاثرت مشاريع تحديث أنظمة الريّ والاستعمال المدروس للأسمدة وتهجين الأنواع النباتية وما إلى ذلك.

في المقابل، لم تحظَ العناصر غير المادية إلا باهتمام ضئيل. ومن الأمثلة البارزة على ذلك استخدام الموسيقى في تجديد المصادر النباتية. وقد ظهرت دراسات إيجابية عدة، لكنها متناثرة، عن ذلك الأمر. يذكِّر ذلك أيضاً بأن السؤال عن التأثير الإيجابي للموسيقى على نمو النبات راود مخيّلات الناس كثيراً وعبر أزمنة مديدة.

وأخيراً، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً موسعاً عن دراسة أجرتها “جامعة فليندرز”  Flinders University الأسترالية أثبتت أن الموسيقى الإيقاعية تحفز نمو النبات، لكن بصورة غير مباشرة، عبر تنشيط نوع من الفطريات معروف بقدرته على زيادة نمو النباتات ويحميها من أمراض كثيرة.

وقد استخدمت أساليب علمية دقيقة لاستكشاف العلاقة المعقّدة بين الأصوات والنمو الزراعي، ممّا يفتح آفاقاً جديدة في كيفية تحسين المحاصيل الزراعية باستخدام تقنيات غير مادية كالموسيقى.

 

النبات لا يرقص لكن الموسيقى تحرك نموه

قدم الباحثون تفاصيل المنهجية، التي اتّبعوها في الرصد العلمي للعلاقة ما بين الموسيقى ونمو النبات، في دراسة نُشرت في مجلّة “رسائل علوم البيولوجيا” (Biology letters) وحملت عنوان “التجديد الصوتي: استخدام الأدوات الصوتية لتحفيز نشاط نوع من الفطر يعزز نمو النبات”  Sonic restoration: acoustic stimulation) (enhances plant growth-promoting fungi activity، وبيّنوا أنهم اعتمدوا على قياسات كمية في دراسة عن الأصوات وتأثيرها على نوع من الفطر، يسمّى “تريكوديرما هارزيانوم” (Trichoderma harzianum). ويعرف المتخصصون في الزراعة أن ذلك الفطر يحافظ على صحة التربة، ويحمي النباتات من أمراض رزاعيّة كثير، مما يزيد من قدرة النبات على النمو والتكاثر.

وضمن أطباق المختبر، غرس الباحثون ميكروفونات قوية في تربة تحتوي على “تريكوديرما هارزيانوم”، وشغلوا إيقاعات موسيقية مدروسة. ولاحظوا أن ذلك الفطر تكاثر  بسبعة أضعاف أمثاله في التربة التي لم يُضخّ إليها ذلك التدفّق الموسيقي. ويعمل ذلك الفطر على تفكيك الموادّ المغذّية الموجودة في التربة، فتتحوّل إلى مركّبات بسيطة يسهل امتصاصها من قِبَل النباتات وبعض أنواع من الجراثيم المفيدة لها. يشبه ذلك ما يحدث في الجهاز الهضمي من تفكيك للغذاء كي يتحوّل إلى مكوّنات يسهل امتصاصها وتوزيعها على أنسجة الجسم.

بعبارة أخرى، ظهر في البحث أن الألحان تُشبه الغذاء بالنسبة إلى النباتات.

وتحمل الموسيقى التي جرى تشغيلها في هذه الدراسة إسم”قناع طنين الأذنين” (Tinnitus Flosser Masker). وضُبِط تردّد موجاتها على 8 كيلو هرتز، وبُثَّتْ نصف ساعة يوميًّا بقوّة 80 ديسيبل. مثلاً، يعتبر الهمس بالنسبة إلى الأذن البشرية هو الصوت بقوة 20 ديسبل. وبالتالي فإن الأصوات الموسيقية المستخدمة في التجربة كانت شبيهة بتلك التي تصدرها آلة جزّ العشب. وأشارت النتائج إلى أنّ التحفيز الصوتي يؤثّر على نموّ الفطريّات التي تساعد وتسهّل نموّ النباتات.

وضمن تفسيرات متنوعة لتأثير تلك الموسيقى القوية المنمّطة على الفطريات، رأى علماء أنها قد تكون أثَّرت في مناطق معينة ضمن أغشية خلايا ذلك الفطر، بطريقة أتاحت لها “الشعور” بالبيئة حولها.

تضمّنت خلاصات تلك الدراسة المثيرة أن الاستعمال الموسّع للموسيقى في تحفيز نمو النباتات، وربما مصادر طبيعية أخرى، يحتاج إلى بحوث أخرى، خصوصاً تلك التي تُجرى مباشرة في الحقول والمزارع والسهول وغيرها.

في تأمّل حول تلك الدراسة، ربما نفكّر  بأنّ حكايات أجدادنا بشأن إيجابيّات الموسيقى على النباتات ليست مجرّد أساطير. ومَن يدري؟ قد تُظهر البحوث العلمية اللاحقة تأثيرات أعمق للموسيقى على النباتات، لعلها تفوق ما تصوره الأجداد.

التعليقات معطلة.