نورالدين خبابه
عبارة كنا نسمعها من القابض في الحافلة le receveur وهو ينادي المسافرين عند الزحمة بفرنسية مكسرة : أفانسي لاريان avancer en arrière تقدم الى الوراء…و يعني: هناك أماكن في الوراء لا تتركوها شاغرة أيها السادة، عمّروها حتى تتركوا أمكنة للآخرين.
للأسف خانه التعبير، فالتقدم لا يكون الا للأمام عادة . ومع أن تعبيره كان خاطئا الاّ أنه كان مفهوما يستجيب له الناس.
كلام القابض في الحافلة “الخاطئ ولو بنية حسنة ” أردت أن أستعيره وأن أجعله نظرية سياسية… طالما أن تراكم التخلف وانتشاره، وتشجيع الرداءة، وتدعيم الترقيع هو السائد …
خرج شباب هذه الأيام في منطقة القبائل، لسنا ندري من حرّكهم في هذا الوقت بالذات؟ يطالبون بتعميم استعمال القبائلية حتى لا أقول الأمازيغية، على باقي الجزائريين… وجعلوا أنفسهم أوصياء على الأمازيغية مع أن القبائلية والقبائل جزء من الأمازيغ، ودون أخذ رأي باقي الولايات في القطر الجزائري بعين الاعتبار …
ووصل الحد ببعضهم أن ينزلوا العلم الجزائري ويمزقونه شر ممزق ويضعون مكانه علما آخر…يجهل عامة الناس مخترعه الأصلي ومصممه وأهدافه…يحدث هذا تحت التصفيق والأهازيج . ومنهم من يصيح: أتركونا أيها العرب واذهبوا الى السعودية ومصر واليمن، فالجزائر أرضا أمازيغية والعرب خونة و محتلون…أنتم سبب نكبتنا وأنتم أكثر قسوة علينا من الاحتلال الفرنسي… وعبارات كثيرة مليئة بالحقد والضغينة، منشورة على مواقع التواصل بالصوت والصورة، أصحابها أقل ما يقال عنهم أنهم عنصريون وجهلة… حاشا القبائل الأحرار فجدتي رحمها الله منهم. ينفون واقع العرب مع أنه يمتد لقرون، وفي المقابل يعترفون بدولة أنشئت في 1948 بعد وعد بلفور ، ويحملون الحقد للإسلام ويغازلون المسيحيين واليهود…
إذا أردنا أن نتحدث بلغة الحكمة والمنطق والعقل بعيدا عن العاطفة… وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية… عمليا وموضوعيا … لا يمكن تعميم لغة هي لاتزال تُصنع في المخابر ، على شعب لم يُستفتَ ولم يعطي رأيه فيها… فهذه المسألة تحتاج الى وقت، والى نقاش والى دراسة وعناية وثقافة والى وعي عام والى مناخ… وليست مجرد قرار تنفرد به فئة أو مجموعة من الناس تحت مبررات مختلفة وعواقبه وتداعياته ليست مدروسة ولا يمكن التحكم فيها.
هؤلاء الذين يطالبون بتعميمها على شعب بأكمله، ماذا أعدوا لها؟ هل لديهم كتب ومؤلفات وآداب …يغرون بها المتعلمين سيما فئة الشباب؟ وهل تعلموها هم وكتبوها حتى يعلموها الناس؟ كيف يتعلمها الناس وأغلبهم لا يكتبها؟ شأنهم شأن المهاجرين الذين يجهلون العربية ويكتبون الدارجة بأحرف لاتينية.
العربية مثلا يسحرك خطها فماالذي يحبّب الناس في الأمازيغية؟ حرق العلم مثلا؟ سب العرب مثلا؟ كتابتها بالفرنسية مثلا؟
لاهم أغلبية في البرلمان حتى يفرضوا شروطهم ويُشرّعون للشعب هذا التشريع، ولا النظام الحالي يمثل الشعب حتى يستقردوا بهكذا قرار، ولا هم يمثلون أغلبية في الواقع الجزائري حتى يتحدثون بلسان الأغلبية … بدليل أنهم لم ينالوا حتى شرف القبائل الأخرى….
انهم يخشون الانتخابات والصناديق الشفافة، ويخشون الديمقراطية الحقيقية لأنها ببساطة لا تخدمهم…ويخشون الاستفتاء حول هذه اللغة المصنوعة…لأن الاستفتاء، أو الانتخابات إذا ما أجريت، سيجدون أنفسهم على الهامش…ولهذا يستعملون الشوشرة الاعلامية … والابتزاز، واستعلال الأوقات الحرجة….في ظل نظام لا يتمتع بارادة شعبية…فكلما بدأ الضغط على النظام لتغييره أو قربت الانتخابات الرئاسية أخرجوا هذا الملف ، وكأنهم مكلفون بتمديد عمر النظام أو يساومون بها؟
يعملون على اضعاف الدولة حتى يتمكنوا من فرض آرائهم بعيدا عن ارادة الشعب الجزائري.
كيف للغة لازال التنازع فيها قائم حول الحرف الذي تكتب به، أبحرف العربية أم بحرف التيفناغ أم بالحرف اللاتيني…. أن تفرض في المدارس والجامعات؟.. ناهيك عن خلو المكتبات الجزائرية من الكتب بهذه”اللغة” أو حتى الترجمات، وكم يلزم هؤلاء القوم من وقت لترجمة المكتوب بلغات أخرى؟ وهل هذه اللغة مواكبة لهذا التطور الحاصل والعصرنة التي يراها الناس ويعيشونها، أم تمتلك التقنيات المختلفة في شتى القطاعات، بما فيها الرقمية، والفضاء …. حتى نعمل بها؟
في الوقت الذي تطالب فيه شرائح واسعة باستخدام اللغة الانجليزية بدل الفرنسية…للالتحاق بالركب…يحاول هؤلاء المساكين أن نبدأ حرف الألف بلغة تبحث عمن يحييها ويدعمها.
الذين يعرفون الجزائر ويعرفون المشاكل التي تتخبط فيها، مدركون تمام الادراك أننا نحتاج الى حل موضوعي عاجل، ينقذ الجزائر من مأزق باتت مؤشراته عديدة.
ففي الوقت الذي ينتقد فيه الناس النظام حول سياسة الترقيع واضاعة الفرص وهدر المال العام… تحاول هذه الأقلية تعطيل الجزائر مرة أخرى …بمواضيع ليست من الأولويات.
فهل الجزائر محتاجة اليوم الى لغة جديدة لاتزال طور النشأة، أم تحتاج الى مشروع مجتمع بديل … يخرج الجزائر من ورطتها ؟ وجمهورية جزائرية جديدة تنهض بالجزائر على كل الأصعدة وبعدها لكل حدث حديث؟
إن من يثيرون هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات، يسعون الى تقسيم البلاد مستعملين سياسة فرق تسد خدمة لأجندات معينة … ويحاولون أن يختلقوا أحداثا لاقناع من لم يسيروا في خطهم بالتخندق معهم على أساس أنهم ضحايا القمع والتهميش…وحتى أن هؤلاء العنصريون يجدون من يخدمهم من المتعصبين المستعربين الذين يستعملون التعميم، حتى يقتنعوا بأنه لا جدوى الا بالانفصال وتأسيس دولتهم بدعم من جهات معلومة مادام الكل في سلة واحدة.
اذا كانت فرنسا التي تعتبر هي المرجع لهؤلاء، لم تعرف الاستقرار والوحدة الا بعد أن وحدت لغتها وفرضتها فرضا وبالعقاب لكل مخالف، فكيف بهؤلاء الذين يرفضون اللغة العربية التي يتحدث بها مئات الملايين في العالم؟ وفرنسا نفسها وأمريكا وبريطانيا … لديهم قنوات ومعاهد بالعربية؟
أيها الجزائريون: نحن محتاجون الى أناس يستشرفون المستقبل والى أعين تنظر الى الأمام، لا الى أناس لاتزال أعينهم في قفاهم، ويتقدمون الى الوراء حسب قول القابض في الحافلة.
الأمازيغية ونظرية التقدّم إلى الوراء في الجزائر!
التعليقات معطلة.