الأمم المتحدة بين أوكرانيا والجنوب العالمي

1

سميح صعب

سميح صعب

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يغادر قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة عقب استماعه إلى كلمة الرئيس الأميركي جو بايدن أمس الثلثاء. (أ ف ب)

على رغم حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شخصياً للمشاركة في الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انطلقت أمس، فإنّ أوكرانيا قد تتراجع كقضية ينحصر فيها اهتمام الغرب، في مقابل ميل لدى ما يُعرف بـ”الجنوب العالمي” أو الدول الناشئة، للتركيز على قضايا يراها ذات قيمة مطلقة بالنسبة له. واستبق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش افتتاح الدورة العادية، بالإشارة إلى أنّها “لحظة تواجه فيها الإنسانية تحدّيات هائلة، من تفاقم حالة الطوارئ المناخية إلى تصاعد النزاعات، مروراً بالأزمة العالمية لكلفة المعيشة ومزيد من انعدام المساواة والمستجدات التكنولوجية اللافتة”. هذا الكمّ الهائل من التحدّيات يواجه بعالمٍ منقسم. فالتكتلات تزداد على حساب المنظمة الدولية التي تراجع دورها كثيراً، مع المنافسات الحادّة بين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة من جهة، والدول الناشئة بقيادة الصين، التي باتت أكثر من أي وقت مضى تريد أن تكون لها كلمة في القضايا الدولية، تتناسب مع حجم تطورها الاقتصادي الهائل في العقود الأربعة الأخيرة، فضلاً عن حجمها وقوتها العسكرية المتصاعدة. وتبدو الولايات المتحدة أمام مهمّة شبه مستحيلة في تشكيل اجماع عالمي على عزل روسيا دولياً بسبب الحرب في أوكرانيا. جزء واسع من الدول الناشئة تتبنّى نظرة مختلفة إلى النزاع الدائر منذ 18 شهراً في أوروبا. هذه الدول تريد حلاً سياسياً ووقف الحرب فوراً. وعبثاً تحاول واشنطن الضغط على دول الجنوب من أجل تبنّي الاستراتيجية الأميركية القائمة على أنّ الحل يبدأ بعد تكبيد روسيا هزيمة ساحقة في أوكرانيا. هناك قادة في العالم يختلفون مع هذه المقاربة اختلافاً جذرياً. فالرئيس البرازيلي لويس إيناسيوس دا سيلفا مثلاً، اتهم الولايات المتحدة بـ”التشجيع على الحرب”، من طريق ارسال السلاح إلى أوكرانيا. والرئيس الصيني شي جينبينغ قدّم مبادرة للسلام تدعو إلى وقف الحرب فوراً والبدء بالتفاوض على حلّ سياسي. والدول الناشئة لم تنضمّ إلى نظام العقوبات الغربي على روسيا، على رغم أنّ العديد منها عبّر عن رفضه للغزو الروسي. وإذا كانت دول الغرب قادرة على تحمّل كلفة الحرب، تسليحاً ومالاً، فإنّ الدول الناشئة تعاني من استمرار الحرب ولا طاقة لها على تحمّل المزيد من الأعباء الاقتصادية الناجمة عنها. وكلما طال أمد الحرب، تراجع التأييد لها في الجنوب العالمي الذي ينظر بقلق إلى مشاكل ملحّة، مثل الأمن الغذائي والكوارث المناخية وانعدام المساواة وأزمة الديون. ولن يطول الأمر حتى تبدأ مضاعفات انهيار اتفاق الحبوب في البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا بالظهور في الدول الفقيرة.

 التجمّع الدولي في الأمم المتحدة هذا الأسبوع، بقدر ما يشكّل فرصةً لنقاش جدّي بشأن التحدّيات التي يواجهها العالم، تهيمن عليه الانقسامات حيال سبل المواجهة. ومن المؤكّد أنّ التشظي العالمي إلى تكتلات ينافس بعضها البعض، أفقد الأمم المتحدة الكثير من دورها كوسيلة للحؤول دون نشوب الحروب والنزاعات. وكلّما اشتدت النزاعات بين الدول، ضعف دور الأمم المتحدة. ويأتي ذلك على حساب الدول الفقيرة التي تنعكس عليها مضاعفات هذه النزاعات، فضلاً عن العجز شبه الكامل في مواجهة التغيّرات المناخية. وما حدث في شرق ليبيا أخيراً بفعل العاصفة “دانيال” يشكّل مثالاً صارخاً على ما يقود إليه تحلّل المؤسسات وتفكّك البنى التحتية بفعل الحروب والفوضى. حدّة التنافس تمنع الأمم المتحدة من الاضطلاع بالمهام التي أُنشئت من أجلها. وفي ظلّ الانقسام السائد إلى معسكرات متقابلة، يفتش كل منها على أفضل الأدوات التي تمكّنه من حماية مصالحه الوطنية قبل كل شيء، ليس من السهل تلمّس سبل الخلاص أو الخروج من الطريق المسدود.

 المصدر: النهار العربي

التعليقات معطلة.