أيمن حسين
وسط تباين في مواقف القوى العظمى، عقد في ألمانيا مؤتمر ميونيخ للأمن بحضور الولايات المتحدة والعديد من القوى الغربية للتباحث حول أهم السبل الممكنة لمواجهة التحديات العالمية، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو حتى في الجوار الأميركي مثلما نشاهد في فنزويلا التي باتت على شفا حرب أهلية بسبب التدخلات الخارجية التي وصلت لحد مطالبة الرئيس بالاستقالة، تلك التدخلات التي لم تختلف كثيرا عن نظيرتها في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا والعراق وليبيا واليمن، والتي تسهم في إشعال الحرائق في كل دولة لا تسير في الفلك الأميركي والغربي، دون أي مراعاة لمصالح الشعوب المستضعفة التي تدفع الثمن في نهاية المطاف.
ولا يختلف أحد في أهمية مؤتمر ميونيخ للأمن وغيره من المؤتمرات العالمية التي تحاول أن تصل لحلول للمشاكل العالمية كمشاكل المناخ والإرهاب والغذاء، ولكن هناك تساؤلات تحتاج إلى إجابات صادقة من قبل القوى العظمى قبل الدعوة إلى تلك المؤتمرات التي تكتفي في الغالب بتوصيات لا ينفذ منها شيء، ومن تلك التساؤلات: هل تلك الدول على استعداد للالتزام بما يسفر عن تلك المؤتمرات من توصيات؟ أم أن الأمر مجرد إثبات للمواقف ليس إلا؟ وما هو السبب الحقيقي للتوترات التي يشهدها العالم؟ وهل تم محاسبة المسؤولين عن إشعال الحرائق في مناطق الصراع المختلفة، وتحويل مجتمعات بكاملها إلى لاجئين ثم إرهابيين في نهاية المطاف؟
إن جزءا كبيرا من مسؤولية الأمن في العالم تتحمله الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، ليس بسبب كونها القوة العظمى في العالم، وإنما لدورها في إشعال الصراعات ودفعها للاستمرار في العديد من المناطق، خصوصا في الشرق الأوسط، وإذا رجعنا إلى الوراء قليلا وتحديدا قبل الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، سنلحظ أن معظم الحوادث الإرهابية وما يشهده العالم من كوارث إنما نتج عن السياسات الأميركية العنترية ومحاولة فرض نفسها بالقوة على المجتمع الدولي.
وفي هذا الصدد لا ينكر أحد أن الولايات المتحدة كانت هي أحد أهم الأسباب الرئيسية لوجود تنظيم القاعدة، وكذلك في ظهور تنظيم داعش الذي كبد الأمة خسائر فادحة وجلب إليها قوى العالم لاستنزاف ثرواتها وإضعافها بالشكل الذي يسهل للقوى الغربية، وخصوصا الأميركية السيطرة عليها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
كما كانت الولايات المتحدة السبب الرئيسي في إضعاف العديد من الأنظمة العربية، وإفقاد المنطقة ما كانت تتمتع به من أمن واستقرار، وذلك لتطبيق أجندات مشبوهة جلبت على المنطقة الخراب والدمار، ساعدهم في ذلك حالة الضعف التي تعيشها المنطقة منذ فترة طويلة، وبطء وتيرة الإصلاح والتغيير التي تنشدها الشعوب.
لذلك فإنه قبل التباحث بشأن التحديات الأمنية التي تعانيها المناطق المختلفة من العالم، لا بد من وضع اليد على الأسباب الرئيسية لتلك التحديات، والعمل على معالجتها وتلافيها قبل التعامل مع التحديات والتي تعد عرضا لمرض مستفحل لا ينفع معه العلاجات الموضعية، إذ تتطلب تلك التحديات علاجات جذرية، وأول تلك العلاجات تتمثل في وقف الانحياز الأميركي لإسرائيل، وإقامة سلام عادل ودائم مع الشعب الفلسطيني، والخروج من المنطقة العربية والشرق الأوسط، والتعامل مع شعوب المنطقة كشعوب من الدرجة الأولى، تستحق الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، والتوقف عن النظر إللى المصالح الضيقة والمتمثلة في الاستيلاء على ثروات المنطقة ونفطها بأرخص الأسعار، فإذا تحقق ذلك، يمكن ساعتها أن ينعم العالم بالأمن، وأن يجد المجتمع الدولي الاستقرار.