حاز جيه آر مورينغر على جائزة بوليتزر للكتابة المميزة. استحقت مذكراته الشخصية التي يتحدث فيها عن والده الغائب أن تتحول إلى فيلم سينمائي. ها هو الآن يقوم باكتشاف أعمق تفاصيل الحياة الملكية والمكائد العائلية.
ساعد الصحفي الأمريكي الأمير في الكشف عن دواخله (غيتي)
صبيان يفصل بين عمريهما 20 سنة وبين مسكنيهما حوالى 5600 كم. يتعايش كلاهما مع خلل وظيفي أبوي حيث يتعثر كل منهما في محاولته العثور على مكان له في عالمين مختلفين كلياً. كان أحدهما أميراً، بينما وجد الآخر نفسه في الجانب الأفقر من هذا العالم. عندما تتقاطع مسيرتاهما المهنيتان سيكون كل منهما قد أصبح أباً.
عندما حدث اللقاء بينهما، بشكل غير متوقع تماماً، قاد التعاون بين “الكاتب الخفي” Ghostwriter [الكاتب الذي يقوم بالكتابة والتأليف لصالح شخص آخر] جيه آر مورينغر مع دوق ساسكس إلى واحدة من أكثر المذكرات الشخصية المثيرة في الذاكرة الحية. يكشف هاري بشكل مثير للجدل عن دواخله في كتابه الجديد “الاحتياطي” Spare، لكن الفضل يعود إلى مورينغر في تحويل قصة الأمير إلى مادة مكتوبة.
كان الرجل القادم من نيويورك الخيار المثالي لذلك، إذ إنه لم يحصل فقط على جائزة بوليتزر للكتابة المميزة (سنة 2000)، لكنه نشر أيضاً سيرته ذات الصبغة الشخصية المركزة “حانة العطاء” The Tender Bar، التي تتحدث عن أسرته قبل بلوغه سن الـ18. يقال إن مورينغر تعرف على الأمير هاري عن طريق جورج كلوني، الذي ساعد في تحويل مذكرات الكاتب الخفي إلى فيلم بالعنوان نفسه من بطولة بن أفليك سنة 2021.
صحيح أن الأمير هاري تربى في قصر، بينما نشأ مورينغر في “نزل رديء” بحسب وصفه لمنزل جده المكتظ في مذكراته الصادرة عام 2005، لكن الصدمة العائلية والتوق إلى العاطفة والرابط بين الأم والابن لدى الرجلين في مرحلة الطفولة، كانت شيئاً مشتركاً بين الرجلين.
كانت نشأة مورينغر البالغ من العمر الآن 58 سنة في ناحية مانهاست في جزيرة لونغ آيلاند، وهو نجل لمضيفة طيران سابقة وزوجها المسيء الذي كان يعمل منسقاً موسيقياً “دي جيه” في محطة “نيويورك” سيتي الإذاعية باسم جوني مايكلز، واسمه الحقيقي جون جوزيف مورينغر. بعد أشهر من ولادة ابنه الذي يحمله اسمه، الملقب بـ جونيور، تركت الأم زوجها بعدما هددها بتمزيق وجهها بشفرة حلاقة، كما كتب في مذكراته، مما دفع والده “إلى الانتقام بالاختفاء وقطع أية مساعدة عنهم”.
تناوب المؤلف وأمه دوروثي على العيش مع والديها في منزل بلغ مجموع قاطنيه 12 شخصاً، بما في ذلك شقيقها وشقيقتها البالغان وخمس من بنات أخوتها وابن أخيها، إضافة إلى تنقلهما بين عدد من الشقق المستأجرة بموازنة ضئيلة. يلقب مورينغر والده الغائب بـ “الصوت” في مذكراته التي تسجل كيف تدخلت سلسلة من التأثيرات الذكورية الأخرى لمساعدته في تعلم كيف يصبح رجلاً، ولا سيما خاله الذي يعمل في حانة والنماذج الأخرى غير المتوقعة التي صادفها في تلك الحانة.
مورينغر أثناء العرض الأول لفيلم “حانة العطاء” في لوس أنجلس في ديسمبر 2021 (غيتي)
كتب في “حانة العطاء”: “كانت قائمة احتياجاتي الشخصية طويلة… أنا طفل وحيد هجرني والدي، كنت بحاجة إلى عائلة وبيت ورجال. الرجال على وجه التحديد. كنت بحاجة إلى رجال ليكونوا موجهين وأبطالاً ونماذج يحتذى بها ونوعاً من الثقل الذكوري الموازن لأمي وجدتي وخالتي وبنات خالتي الخمس اللاتي كنت أعيش بينهن. زودتني الحانة بكل الرجال الذين احتجتهم، ورجل أو اثنين كانا آخر شيء قد أحتاج إليه”.
كان يشير بشكل متكرر إلى ابن خاله الوحيد في المنزل، ماكغرو، على أنه أخوه. كان الصبيان يشتركان في هوسهما بالرياضة تحت تأثير بعض أكبر الأسماء في العالم. كانا يحبان فريق نيويورك ميتس للبيسبول “لأننا شعرنا وكأننا ولدنا فاشلين… على رغم أننا كنا في الشوط الأول من حياتنا فقط، لكننا خسرنا أربعة أشواط بالفعل بسبب امتلاكنا لاعبي إحماء ضعيفين وغياب اللاعبين الاحتياطيين. لكوننا أبناء أمهات عازبات، نعيش على قسائم الطعام، وندرس في مدارس متوسطة الجودة ونرتدي ملابس ليست على مقاسنا تماماً، بدا من المؤكد أن المستقبل الذي ينتظرنا كان ينطوي على جرعة كبيرة من الفشل والجهل والعوز”، بحسب وصف مورينغر في عام 2008.
اتخذ حب ماكغرو للرياضة مساراً احترافياً لاحقاً وأصبح مقدم أخبار وبرامج رياضية إذاعياً، وهو حالياً شخصية إذاعية مشهورة في سانت لويس. أما مورينغر الذي ورث حبه للكتابة من جده غريب الأطوار وخاله، أصبح صحافياً، وعمل في البداية ناسخاً في صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أن ينتقل سنة 1990 إلى كولورادو للعمل في صحيفة “روكي ماونتن نيوز” التي لم تعد موجودة اليوم، إذ “كانت الصحف ما زالت تنفث عبقاً غامضاً من الريادة… كان لديها لين ضعيف، وتسامح على غرار الغرب القديم مع غير الأسوياء وغريبي الأطوار والمنفيين والفاشلين والمبتدئين. هذا ما جعلني مناسباً تماماً. ليس الأمر وكأنني كنت قادراً على وصف الوضع في ذلك الوقت لكنني لم أستطع التحدث كثيراً حينها”، كما كتب في عام 2008.