الجزء الثالث والأربعون:
العراق بين ضغط واشنطن وارتباك طهران: لحظة مفصلية تعيد رسم المشهد الإقليمي
إذا كان الجزء الثاني والأربعون قد رسم ملامح مشروع ترامب لإعادة تشكيل السلطة في العراق بعيدًا عن إيران، فإن هذا الجزء يكشف عمّا يجري خلف الكواليس: كيف تتعامل إيران مع لحظة الانكشاف؟ وكيف تتحرك واشنطن لفرض معادلة جديدة؟ وما موقع العراق وسط هذا الاشتباك بين قوتين تتصارعان فوق أرضه منذ عقدين؟
أولاً: إيران… قوة تهاجم لأنها تشعر بأنها محاصَرة
الغارات الإيرانية الأخيرة في شمال العراق لم تكن فعل قوة، بل فعل اضطرار. طهران تفهم أن إدارة ترامب لا تشبه الديمقراطيين:
لا تفاوض بلا ضغط.
ولا تهدئة بلا تنازل.
ولا وجود لمنطقة رمادية تسمح لطهران بأن “تعيش على حافة النار” كما كانت تفعل.
ولذلك، تحاول إيران عبر التصعيد أن تقول لواشنطن: “نفوذنا في العراق ليس ورقة يمكنكم شطبها بسهولة.”
لكن الحقيقة على الأرض تقول العكس:
الفصائل تخشى المواجهة المباشرة.
الغطاء الشعبي تآكل.
النظام الإيراني يواجه أكبر ضغط اقتصادي في تاريخه.
وروسيا والصين غير مستعدتين للدفاع عن نفوذ إيران في العراق.
إيران اليوم تتحرك بعصبية لأنها ترى بداية نهاية مشروعها في بغداد.
ثانيًا: واشنطن… لا تريد حربًا لكنها تستعد لفرض وقائع جديدة
الإدارة الأميركية الحالية تدرك أن مواجهة شاملة مع إيران داخل العراق ليست الخيار المفضل، لكنها تدرك أيضًا أن ترك الأمور كما كانت هو خسارة استراتيجية.
لذلك تعتمد واشنطن ثلاثة مسارات متوازية:
1. ضرب النفوذ دون ضرب الدولة
الهدف ليس إسقاط النظام السياسي العراقي، بل إسقاط “الظل الإيراني” الذي يخنقه.
2. دعم قوى داخلية صاعدة
قيادات وطنية، مجموعات تكنوقراط، شخصيات عشائرية ومدنية… كلها اليوم تتلقى إشارات دعم غير معلنة.
3. تحجيم الفصائل من خلال الاقتصاد
العقوبات، مراقبة التحويلات، وتشديد الخناق على شبكات التمويل… كل هذا يغيّر قواعد اللعبة دون طلقة واحدة.
واشنطن تريد إعادة هندسة السلطة لا تفجير البلد.
ثالثًا: العراق… ملعب الصراع أم بداية التغيير؟
العراق أمام لحظة لا تتكرر كثيرًا. لم يعد بلدًا محاصرًا بين قوتين، بل بلدًا قد يصبح محورًا لصياغة النظام الإقليمي الجديد.
توجد ثلاثة مؤشرات واضحة:
1. الفصائل فقدت قدرتها على فرض الإيقاع
التغيير قادم من فوق ومن خارج حساباتها، وهي تدرك ذلك.
2. الشارع العراقي أكثر وعيًا وأقل خوفًا
لم يعد يقبل بنفوذ خارجي ولا بسلطة فاسدة. هذه هي “القوة الثالثة” التي كانت غائبة.
3. القوى السياسية التقليدية تشعر بقلق وجودي
كل معادلات النفوذ القديمة تهتزّ:
السلاح
المال
المحاصصة
التحالفات كلها لم تعد مقدسة.
رابعًا: الشرق الأوسط يعاد تشكيله… والعراق هو نقطة البداية
المعادلة التي حكمت المنطقة منذ 1979 –اتفاق غير مكتوب بين واشنطن وطهران لضبط الإقليم– تتآكل اليوم بسرعة. ورغبة ترامب في إنهاء هذا التوازن القديم تعني أننا أمام شرق أوسط جديد يتشكل فوق جغرافيا العراق.
قد لا تكون المواجهة حربًا… وقد لا يكون التغيير انقلابًا… لكن الواضح أن الشرق الأوسط يدخل طورًا جديدًا سيكون العراق بوابته الأولى .
يتبع غدا الجزء الرابع والأربعون:
،”اعتراف توم باراك… بداية نهاية الهيمنة الإيرانية في العراق”

