الإرادة الدولية منقسمة: من يتمسك بالمعادلة القديمة ومن يدفع نحو التغيير؟

12

 

المعادلة التي تأسست منذ عام 1979 تقف اليوم أمام تحديات جذرية، وسط انقسام دولي حاد بين من يسعى للتغيير ومن يخشى عواقبه.
من يتابع تطورات المشهد السياسي في الشرق الأوسط يدرك أن هناك انقساماً حاداً داخل الإرادة الدولية بشأن مستقبل المعادلة الإقليمية التي تأسست فعلياً منذ عام 1979. هذه المعادلة، التي نشأت بعد الثورة الإيرانية، ورسمت خطوط التوازن الإقليمي بين أدوار إيران، إسرائيل، وبعض القوى العربية، لم تعد قابلة للاستمرار في نظر كثير من الفاعلين الدوليين.
غير أن محاولات تغييرها لا تزال تصطدم بجدار من تباين المصالح وغياب التوافق الحاسم بين القوى الكبرى.
بريطانيا وإسرائيل: قيادة معسكر التغيير
في قلب هذا الانقسام، تتقدّم بريطانيا وإسرائيل كمحرك أساسي لمسار التغيير، مقتنعتين بأن استمرار المعادلة القديمة بات يشكل تهديداً لمصالحهما، خصوصاً في ظل التمدد الإيراني المستمر.
بريطانيا تسعى إلى استعادة دورها التاريخي في الشرق الأوسط من بوابة تفكيك النظام الذي تشكل بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بينما ترى إسرائيل أن التهديد الإيراني لم يعد قابلاً للاحتواء، بل يحتاج إلى إعادة صياغة البيئة الإقليمية برمتها.
أوروبا: الحسابات الباردة والمصالح المتشابكة
على الجهة الأخرى، لا تزال أوروبا مترددة ومتحفظة تجاه فكرة التغيير الجذري. فرغم إدراك العواصم الأوروبية لحجم التحدي الإيراني، إلا أن الخوف من فوضى إقليمية تهدد مصالحها الاقتصادية، لا سيما في مجالات الطاقة والاتفاق النووي، يجعلها حذرة في اتخاذ أي موقف حاسم.
كما أن أوروبا لا تمتلك القدرة على سد أي فراغ أميركي محتمل في المنطقة، مما يجعلها تفضل الإبقاء على الوضع الراهن مع بعض التعديلات المحدودة.
الولايات المتحدة وترامب: إدارة منقسمة
أما الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تبدو وكأنها تمسك العصا من الوسط. ففي داخل الإدارة الأميركية، يتصارع تياران: أحدهما يدعو إلى تغيير شامل ينهي النفوذ الإيراني، مستلهماً من تجربة ترامب في ولايته السابقة، حين انسحب من الاتفاق النووي ودعم مسارات التطبيع.
لكن التيار الآخر، الأكثر براغماتية، يحذر من الانزلاق إلى مواجهة غير محسوبة قد تفتح جبهات متعددة وتضع واشنطن في مأزق استراتيجي.
والنتيجة؟ خطاب أميركي متذبذب، يتراوح بين دعم إسرائيل من جهة، ومحاولة طمأنة الأوروبيين من جهة أخرى.
نحو مفترق طرق إقليمي
ما يجري اليوم هو شد وجذب واضح داخل غرف القرار الدولية. لا يوجد حتى اللحظة توافق حاسم بشأن إعادة تشكيل معادلة الشرق الأوسط، لكن المؤشرات تدل على أن ميزان الإرادة الدولية بدأ يميل نحو التغيير، خصوصاً في حال استمرت إيران بسياساتها التصعيدية، أو ازداد الخطر على أمن إسرائيل والممرات البحرية الحيوية.
إننا نقف أمام لحظة فارقة. فالمعادلة التي صمدت لعقود باتت اليوم على المحك، وما سيحسم المسار ليس فقط مواقف القوى الكبرى، بل مدى قدرة دول المنطقة على المواجهة أو التكيف مع معادلة جديدة قد تعيد رسم خرائط النفوذ والسلطة في الشرق الأوسط لعقود قادمة .

التعليقات معطلة.