لا يمكن الحكم على الإرهاب من عدد الشهداء الذين يسقطون، أو أن نرى أن سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء يستدعى إدانة أكثر، مع الاعتراف بأن العملية الإرهابية التى وقعت ضد أهلنا فى مسجد الروضة هى الأضخم من حيث عدد الشهداء الذين سقطوا، والطبيعى أن نقطة دم واحدة من إنسان هى جريمة إرهابية مكتملة تستدعى الاحتشاد ضد هجمات تترية تسعى لاستعادة تجربة التسعينيات، فقد كانت العملية الإرهابية فى الأقصر إحدى المحطات التى تحولت فيها المواجهة مع الإرهاب، لينحسر بدرجة كبيرة لسنوات، بعد أن تضررت السياحة كثيرا، لكن الفرق أننا أمام تحولات إقليمية، حيث يتلقى تنظيم داعش ضربات فى سوريا والعراق، وهناك احتمالات لدخول فلول داعش إلى دول أخرى، ومنها مصر، فضلا عن ارتباط الإرهاب بقنوات وجهات خارجية متحالفة، والدليل مدى احتفاء قنوات الإخوان التركية القطرية بالعملية الإرهابية بالنشر وعرض فيديوهات فور وقوع العملية، وأيضا بمحاولة تقديم مبررات للإرهاب.
ويبدو من قبيل التزيد البحث عن تفسير لسوء فهم الإرهابيين للدين أو الدخول إلى أرضيتهم وتصور أن مناقشتهم يمكن أن تغير عقل الإرهابى وقلبه، وهذا لا يمنع من السعى لفك ألغاز الإرهاب، وتفكيك علاقاته المعقدة إقليميا ودوليا، نحن أمام إرهاب عالمى، يعمل من خلال محطات محلية، فلا يمكن لأى أطراف خارجية العمل والتحرك بحرية من دون وجود غطاء محلى.
جريمة الجمعة ضد المصلين تشير إلى أن جرائم الإرهاب موجهة ضد الإنسان بصرف النظر عن عقيدته، وأن الإرهابيين فى سيناء لو أتيحت لهم الفرصة يمكنهم توسيع عملهم فى الداخل، نحن أمام تنظيمات إجرامية تنفذ أهدافا واضحة، ولا يمكن التعامل مع جريمة بهذا الحجم والشكل على أنها جريمة محلية، بل هى تشير لوجود أطراف تمول وتخطط، ولها أهداف تحرك من أجلها التنظيمات المرتزقة وتوجهها إلى مكان مثل مسجد الروضة، حيث المئات من المسالمين يؤدون صلاة الجمعة ولا يمكن أن يخطر ببالهم أن هناك من يستحل دمهم ويقتلهم بكل هذا القصد والبشاعة. وهو نفس الإرهاب الذى يفجر كنيسة فى طنطا أو الإسكندرية.
لكن من المهم السعى للكشف عمن وراء هذا الإرهاب بشكل مؤكد، من شهادات الشهود، نحن أمام جريمة نفذها مرتزقة من بينهم عملاء من الخارج، ومن الصعب أن يتحرك عدد يتراوح بين 20 و30 من دون أن يكون هناك شهود فى الطرق التى سلكوها متجهين لتنفيذ جريمتهم، ثم إن هذا العدد من الصعب أن يتحرك وينفذ الجريمة ويختفى من دون وجود مساندة للتمويه والإخفاء، حيث يستحيل أن يتم كل هذا من دون وجود شهود والتعرف على تحركات بعضهم، وبالتالى فإن هناك حلقات مفقودة من عملية التستر على الإرهابيين، يمكن أن تحل كثيرا من ألغاز التحركات الإرهابية.
لا يمكن فصل العملية الإرهابية فى المسجد فى جزء منها عن كونها ردا على ما تحقق فى الواحات، وهو ما قد يجعل الهجوم الإرهابى تعبيرا عن يأس، ومحاولة لإثبات الذات وتعويض خسائر التنظيمات الإرهابية، بعملية تحقق ضجة إعلامية يمكنها أن تعيد للتنظيمات الإرهابية مثل «بيت المقدس» وغيره بعض ما فقدته من صورتها وعجزها عن تنفيذ عمليات ضد الكمائن، وقد يكون من بين أهداف إرهاب الجمعة السعى لتحقيق فتنة طائفية أو مذهبية.
كل هذه الاحتمالات تجعل عملية الجمعة إحدى الحلقات الخطرة التى تشير إلى رغبة فى نشر الترويع، وتتعمد أن تسقط الكثير من الشهداء العزل، بعد مرحلة من المراقبة والمتابعة من متعاونين أو عيون تنقل للتنظيم كل ما يحدث.
نحن أمام إرهاب ضد مدنيين عزل، قد يكون بداية مرحلة تكشف لأهالى سيناء أن الإرهاب لا يفرق بين الدماء، وأن هناك صلات ضخمة تربط بين الإرهاب المعولم فى الخارج والداخل، وهى خطوط يمكنها أن تكشف عن تفاصيل وتشابكات كبيرة.