ماجد عبد الرحيم الجامعي
الإسلام دين الرحمة والانسانية.. وقد تأكد ذلك في رسالة السماء الداعية الى احتضان اليتيم والرأفة بالسائل والمحروم، وهناك نصوص قرآنية وأحاديث أخرى قدسية ونبوية ووصايا أئمة الهدى الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.. ما دفع المسلمين المؤمنين الى البحث عن مفردات على هذا الطريق تقربهم من الجنة الموعودين بها ويخطون طريقاً مستقيماً لحياة تسودها العدالة الدنيوية ويحف بهم عدل الرحمن الرحيم فيكتب ما يقدمون في ميزان أعمالهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم…
وفي معرض تبوئها مقاليد السلطة تسعى الشخصيات قائدة المجتمع الى النهوض بمسؤولياتها القانونية والشرعية والأدبية تجاه مواطنيها فتعمل على سن التشريعات تحت قبة البرلمان وتتابع وتراقب التنفيذ للدستور والقوانين، هي والكابينة الوزارية، في حين تحتفظ السلطة القضائية بأحقيتها في تقويم الانحراف والزلل في تطبيقات الأطر المرسومة لصالح إنسان الوطن الواحد. ومن هنا نجد إن الفسحة يجب أن تتوافر لبناء وإعمار الإنسان والبنى التحتية وتنفتح أمامه مجالات كبيرة للعمل والإبداع في ظل الديمقراطية وضمان الحريات ورصانة النظم السياسية المخلصة لشعبها ووطنها..
ولكن الأمر يختلف عندنا حينما نستخدم تلك المقاييس الراقية ونزن أمورنا على أساس من الموضوعية والمصداقية، فالعراق الجديد الذي كنا نأمل خيراً من وراء عملية التغيير فيه أحدث هزة وإرباكاً في تصوراتنا وراحت الأحلام والأمنيات أدراج الرياح عندما لم يحصل التغيير حقاً إلا بالكراسي العليا وتم الإبقاء على الكثير من الموالين للنظام البائد إدارة وضباط وقوانين وحتى مناهج دراسية جامعية، وانتشرت بشكل واسع أعمال العنف والتفخيخ والذبح على الهوية وشيوع البطالة والمتسكعين، لتتم مصادرة قيمنا التي تربينا عليها من رحمة وتكافل اجتماعي، وراح النصب والاحتيال عنواناً للكسب غير المشروع..
ومن الصور التي تطالعك في الشوارع وعند التقاطعات المرورية، فتشمئز منها نفسك وأنت تستخدم الطريق العام ، راجلاً أو مستقلاً لعجلة، حالات مأساوية لنساء ورجال وأطفال ترتسم على محياهم سيماء الفقر والجهل والمرض وقد تجد من بينهم معاقاً أو متصنعاً للإعاقة، يستدرون العطف بعبارات متصلة ومزينة بالدعاء لمن يقدم لهم المال بسخاء واعدين المحسنين لهم بالصحة والسلامة والتوفيق في الحياة الدنيا وثوابه الجنة حتماً… فتدفع بالناس من متوسطي الدخل أو ذوي الفاقة حصراً الى تقديم ما جادت به أيديهم بالرغم من كون من يعطي قد يكون فقيراً حقيقياً ولكنه يتعفف عن السؤال والاستجداء حفظاً لماء وجهه وصوناً لكرامته وسمعته وسمعة عائلته..
الغريب في الأمر إن الأعداد التي تفترش الأرض وتمخر عباب الطرق إستجداءً من الناس يتكاثر عددهم في كل يوم وتتكاثر لديهم أساليب الاحتيال إستدراراً لعطف الآخرين..
فهذا يحمل صحناً فيه علكة وأخرى تمسك بماسحة لتنظيف زجاج السيارات المتوقفة عند إشارة المرور والسيطرات العسكرية الكثيرة وثالثة تحمل طفلاً رضيعاً وهي حامل تدعي أنها أم وعندها أيتام وبعضهن ينهين فترة النهار في مكان واحد وقبل الغروب يعلم الله وحده بنوع العمل الآخر الذي يمارسنه بعد مغادرتهن مكان ارتزاقهن، والله يعلم أيضاً هل إن المستجدين ينتمون الى شريحة الغجر أم إنهم موظفون يعملون بإمرة عصابة منظمة وظيفتها نشر البغاء والاحتيال وجمع أموال السحت الحرام بتجنيد أطفال تمت سرقتهم من أحضان أسرهم وبنات لعوبات يفاجأنك بطلب التوقف عندهن ليطلبن منك المال بحجة مرض الزوج أو الوالد أو إنهن ستجرى لمعيلهن عملية جراحية مكلفة….
إنها وبلا شك تجارة مربحة .. ولكن متعاطيها هل ربح كرامته وشرفه فيها أم إنه الخاسر لكل ما تمثله إنسانيته وراح يجعل من نفسه وعيال بيته سلعة تتلاقفها أنظار السابلة وشهوات المراهقين.. وبين هذا وذاك يقف إبن المجتمع الصالح تشده التربية البيتية والفطرة وتعاليم السماء لبذل ما يستطيع لهؤلاء من جهة أم إنه ينأى بنفسه أن يكون صيداً لهكذا محتالين اتخذوا من الاستجداء مهنة وضحكاً على الذقون لتدر عليهم المال الوفير الذي يصل الى الملايين شهرياً… أما الحكومة والقانون فلا سلطة عليهم كما يقول الوكيل الأقدم لوزير الداخلية العراقي.