نادية عصام حرحش
منذ أيام وتتردد “التسريبات” بين تخمينات وتعليقات وتحليلات، عن نية الادارة الامريكية برئاسة ترامب، نقل السفارة الامريكية للقدس. نيو يورك تايمز قامت بتتويج الخبر واضفاء شرعية له، من خلال مقال تم نشره، وتناولت الصحيفة فيه تحليلات وتوقعات منذ حراك الامير السعودي محمد بن سلمان الاخير ، والذي تخلله دعوة للرئيس الفلسطيني محمود عباس للسعودية.
المختصر المفيد في كل هذا هو تأكيد موضوع نية ترامب بنقل السفارة. الغريب هو إعلان الرئاسة الفلسطيني عن الخبر ، في وقت اعطى رئيس الوزراء الاسرائيلي التعليمات بعدم الحديث عن موضوع نقل السفارة.
بالمقابل، هناك خطة ،مخطط لبناء سفارة بدأ العمل عليه منذ اكثر من سنة، لموقع متفق عليه، وعلى ما يبدو فإن الموضوع قيد التنفيذ.
بينما يتم الحراك بطريقة تستدعي التساؤل، ولربما، تكون الطريقة مدروسة بعناية لتمرير الموضوع بلا ردود فعل حقيقية من قبل الشارع الفلسطيني، قد تؤدي الى نهاية السلطة الفلسطينية، بدأت السلطة بأولى فعالياتها للسيطرة على حراك الشارع الفلسطيني من خلال تبني وزارة التربية والتعليم استراتيجية “مقاومة ازرع تفاح ،ازرع بطيخ” التي تبناها تلفزيون فلسطين قبل عدة اعوام، فأعلنت في تعميم تم توزيعه الى مديري المدارس الحكومية والخاصة باعلان يوم غضب بالمدارس تخصص فيه الاذاعة المدرسية صباح الاربعاء ٦-١٢-٢٠١٧ ” للحديث عن الموقف الفلسطيني المعبر عنه من خلال القيادة السياسية و يتخلله وقفة صامتة لمدة دقيقة واحدة، …. ورفع شعارات معبرة عن الوقوف خلف القيادة الفلسطينية ، والرفض للموقف الامريكي في ساحات المدارس وزدهاتها في ذلك اليوم، ودعوة الطلبة لارتداء الكوفية.”
ما لفت انتباهي هو مبادرة الوزارة الاستباقية لهذا الحدث قبل الاعلان عنه. فمنذ ايام والشائعات تدور حول الموضوع ولم تصدر السلطة الفلسطينية اي تعليق بهذا الصدد ، ولم يتم الاعلان عن “نية ترامب” الا قبل ساعات قليلة . ولكن الوزارة كانت قد عممت البيان منذ يوم الامس ٤ـ١٢.
ما احاول الوصول اليه بالاشارة الى بيان وزارة التربية والتعليم ، هو فكرة حراك السلطة بهذا الصدد.ومحاولتها السيطرة على ردود الفعل بحيث لا تخرج من ردهات المدارس وتتوج بأغنية الكوفية ولبسها ننتصر لأنفسنا بترديد ةديد لشعارات خاوية.
بينما اكتب هذه الكلمات ، تلوح بالافق فرضيات كثيرة وتوقعات عما سيحدث في الشارع الفلسطيني والمقدسي تحديدا اثر هذا القرار. والشارع هنا لا يمكن الاستهانة به بعد احداث الاقصى قبل عدة شهور. وفكرة خروج الفلسطينيين للتظاهر في القدس بأنحاء الجهة الغربية منها ، اذا ما تبين موقع السفارة المزمع بناؤها ، او حتى التظاهر امام القنصلية الامريكية في غرب المدينة ، سيجعل الاشتعال في المدينة اصعب للاخماد ، وسيكون الاحتكاك بين العرب والاسرائيليين اكثر خطورة. والسيطرة من خلال اغلاق الشوارع هناك ستؤدي الى ضرر بالشارع الاسرائيلي وليس الفلسطيني كما حصل خلال اسابيع بوابات الاقصى.وسيظهر القمع الاسرائيلي بصورة فاضحة للملأ.
علي ما يبدو ان السلطة تحاول احتواء الموقف قبل التفجر المؤكد. ولدرء ما خسرته في احداث الاقصى عندما صمتت وتركته في العراء للاستباحة، تحاول اليوم الخروج من هذا المأزق بالاعلان عن رفضها الرسمي وغضبها من خلال فعاليات حماسية لا تخرج للشارع . عندما يعلن الرئيس الفلسطيني ان ترامب اخبره عن نيته ، يظهر لنا وكأن لا حول له ولا قوة. بالنهاية فان الامر عند ترامب.
قد يكون ما يتم حبكه من اتفاقيات تسوية هو المسمار الاخير في نعش القضية الفلسطينية، التي لن تدفن الا بالقدس داخلها. لنرى ونعيش واقعا جديدا لفلسطين التي يريدونها ، سلطة تتسلط على الفلسطينيين ببعض المناطق الجغرافية وتنسق امور الاحتلال وتأمينه. ولأن الرهان على القيادة والسيادة السياسية خاسر وغير فاعل ، فلقد عشنا ضياعا يوميا للقدس بالتحديد منذ اوسلو. فلم يبق ما نحرب من اجله الا وجودنا نحن الافراد الذين نشكل نسيج هذه المدينة. وشعب يترقب خلف الحواجز والجدران لعل حل الهي يأتي.
وقد يكون الاختبار الحقيقي هو اختبار الفلسطينيين انفسهم. فلقد تعلمنا ان الحل لن يأتي من الاقران بدول العروبة ولن يأتي من سلطة رام الله. لقد عشنا هذا قبل شهور ليست ببعيدة. وعلمنا العالم ان المقاومة حق ، وان السيادة لاصحاب المدينة.
واذا ما وحدنا الاقصى كفلسطينيين ، وجعلنا نعيش نشوة انتصار لم نعهدها من قبل ، فان سيادتنا على القدس اكبر من تحكم لاحتلال غاشم. اكبر من خنوع سلطة لا تفهم معنى الاوطان. اكبر من رئيس امريكي يظن ان الفلسطيني يشترى بأموال الخليج والسعودية.
ان القدس هي فلسطين . سيادتنا بوجودنا وستبقى…
وسنبقى كالشوكة في بلاعيمهم.
الإعلان عن نية ترامب نقل السفارة الامريكية للقدس.. ماذا عن نية السلطة؟
التعليقات معطلة.