عبد الرحمن النقبي
في مشهدٍ حمل ملامح التقدير والمودة، استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الرئيس السوري أحمد الشرع في أبوظبي، في زيارة رسمية هي الأولى منذ توليه رئاسة الجمهورية. لم تكن الزيارة مجرّد لقاء دبلوماسي، بل كانت إشارة واضحة إلى عمق العلاقة بين البلدين، وحرص دولة الإمارات على إعادة ترميم الجسور العربية وتعزيز روابط الأخوّة والمصير المشترك.
الرئيس السوري، في رسالة صادقة ومؤثرة، أعرب عن شكره وامتنانه لسمو الشيخ محمد بن زايد على كرم الضيافة، ودفء الاستقبال، والمشاعر الأخوية التي غلّفت اللقاء. وأكّد تقديره لما لمسه من اهتمام صادق بتعزيز التعاون بين البلدين، داعيًا الله أن يديم على الإمارات أمنها وازدهارها، وأن تبقى واحة خير وسلام في محيطٍ مضطرب.
منذ تأسيس دولة الإمارات عام 1971، جمعتها بسوريا علاقات متينة قامت على الاحترام المتبادل والتعاون العربي المشترك. وعلى مر العقود، لم تكن الإمارات يومًا بعيدة عن سوريا، سواء في أوقات الاستقرار أو خلال المحن. واليوم، وفي ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة، تواصل الإمارات نهجها الراسخ في دعم الأشقاء، وتعزيز روابطها التاريخية مع سوريا، انطلاقًا من إيمانها العميق بأن وحدة الصف العربي والتكامل بين الدول الشقيقة هما الطريق إلى الاستقرار والازدهار.
في المحن، تتكشّف معادن الدول. وقد أثبتت الإمارات، في محطات عديدة، أنها في طليعة من يبادر ويمنح بلا تردد. ومع اندلاع الأزمة السورية، سارعت إلى تقديم الدعم الإنساني، وفتحت أبوابها للنازحين واللاجئين، دون أن تصنفهم أو تضعهم في خانة الحاجة، بل احتضنتهم كأشقاء. وعندما ضرب الزلزال المروّع شمال سوريا في فبراير 2023، كانت الإمارات أول من حضر وأغاث، من خلال عملية “الفارس الشهم 2”، التي شكّلت واحدة من أضخم حملات الإغاثة في تاريخ المنطقة.
وفي الأردن، أنشأت الإمارات “مخيم مريجب الفهود” في محافظة الزرقاء، ليكون نموذجًا إنسانيًا راقيًا في رعاية اللاجئين. لم يكن المخيم مجرد مأوى مؤقت، بل فضاءً يحفظ الكرامة، ويقدم التعليم والرعاية الصحية والدعم النفسي، في صورة تعبّر عن جوهر السياسة الإماراتية التي تضع الإنسان أولًا، بصرف النظر عن انتمائه أو ظرفه.
ولم تكن هذه المبادرات الطارئة سوى امتداد لموقف إماراتي ثابت، احتضن الجالية السورية المقيمة على أرض الدولة، حيث يعيش عشرات الآلاف من السوريين في كنف الأمان والاحترام، ويشاركون في التنمية، ويجدون في الإمارات بيئة تُمكّنهم من العمل والإبداع والمساهمة. إنهم ليسوا ضيوفًا عابرين، بل جزء من النسيج الوطني المتنوع، يساهمون بجهودهم في بناء الحاضر، ويحلمون بغدٍ أفضل لهم ولوطنهم الأم.
الإمارات، بما تملكه من خبرات وقدرات، قادرة على أن تكون شريكًا فاعلًا في إعادة إعمار سوريا، ليس فقط على مستوى المشروعات والبنية التحتية، بل في بناء الإنسان، وإعادة الأمل، وفتح أبواب العودة أمام من هجّرتهم الحرب. إن تعزيز العلاقات بين البلدين لا يصب في مصلحة طرف دون آخر، بل يخدم استقرار المنطقة برمتها، ويساهم في استعادة التوازن العربي، ويمنح سوريا فرصة جديدة للخروج من دائرة الألم نحو أفقٍ من التعافي والكرامة.
وفي كل هذا المشهد، يبرز دور الشيخ محمد بن زايد، الذي رسّخ مبدأ أن الشقيق لا يُترك وحيدًا في لحظات المصير. أنه لا يدير ظهره للأزمات، بل يمدّ يده، وينظر بعين العقل والقلب معًا.، يقود الإمارات نحو آفاق أبعد من الجغرافيا، ويجعل منها واحة عربية تحفظ التوازن، وتبني الثقة، وتستثمر في السلام.
هكذا تمضي الإمارات، لا بالأقوال، بل بالأفعال. تمدّ الجسور، وتُعيد وصل ما انقطع، وتبني حيث تهدمت أركان. وهي إذ تفتح ذراعيها لسوريا اليوم، إنما تفعل ذلك من منطلق تاريخي وأخلاقي، ومن إيمان عميق بأن الأمة التي لا تتعاضد، لا تنهض.
إن ما يجمع الإمارات وسوريا اليوم، ليس مجرد علاقات دبلوماسية أو مصالح متبادلة، بل رابط إنساني وثقافي وتاريخي، يُعاد ترميمه بثقة وهدوء. وفي ظل هذا المشهد الجديد، يبدو أن الغد العربي، برغم كل التحديات، لا يزال ممكنًا… ما دامت هناك دول مثل الإمارات، تُجيد فن الإصغاء، وتُحسن صناعة الأمل.