عاد الاتحاد العام التونسي للشغل للتظاهر في الشارع نهاية الأسبوع الماضي، بعدما نظم تجمعاً عمالياً هو الأول من نوعه منذ فترة طويلة، واختار ساحة القصبة في العاصمة مسرحاً له على بعد بضعة أمتار من مقر رئاسة الحكومة.
وقال الاتحاد إن هذه التظاهرة تأتي بعد اغلاق الحكومة لباب التفاوض والتحاور وتنصلها من اتفاقات مهنية سابقة معه، علاوة على ملاحقة عدد من النقابيين، ما يعتبره “تضييقاً على الحق النقابي المكفول دستورياً”، وفق ما يؤكده الناطق الرسمي باسمه سامي الطاهري في حديث مع “النهار العربي”.
وواجه عدد من قيادات اتحاد الشغل ملاحقات قضائية في الفترة الأخيرة وصلت إلى توقيف عدد منهم عن العمل وسجن آخرين. وقبل ساعات من التجمع النقابي في ساحة القصبة، اعتقلت السلطات الأمنية الأمين العام المساعد في الشغل الطاهر البرباري، على خلفية قضيّة رفعت ضده بـ”تحقيق مكاسب وهدر المال العام” نتيجة تفرغه للعمل النقابي، لكنها سرعان ما أفرجت عنه.
ورقة الشارع
الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي استغل المناسبة التي تجمّع خلالها آلاف النقابيين لتوجيه انتقادات لاذعة للسلطة، متحدثاً عمّا سمّاه “تكميم الأفواه”، وهو ما يقول مراقبون إنه “اعلان ضمني لتصعيد محتمل من المنظمة النقابية ضدّ السلطة في الفترة المقبلة”.
وقال الطبوبي: “في كل مرة يشتد الخناق الاقتصادي والاجتماعي والفشل في رسم السياسات والخيارات الوطنية (…)، تمر تونس بمنعرجات خطيرة ومرحلة صعبة تتطلب الحكمة”، لكنه استدرك بأن “الحكمة وبعد النظر لم تلتقطها السلطة السياسية ورأتها ضعفاً من الاتحاد”.
و أضاف: “نتمنى أن تلتقط السلطة السياسية خطاب اليوم والتجمع العمالي والإشارات التي قدمناها بمفهومها الإيجابي”.

ولفت إلى أن الاتحاد سيعقد هيئة إدارية في الأسبوع المقبل “ستحدد خيارات الاتحاد وسنواصل النضال إذا لم نجد آذاناً صاغيةً من أجل تنقية المناخات”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يستعمل فيها الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أقوى منظمة نقابية في البلاد، ورقة الشارع للضغط على السلطات الحاكمة.
وقبل 2021 كانت كل الحكومات تتجنب الدخول في صدام مع المنظمة النقابية، لكن منذ أن أمسك الرئيس قيس سعيّد بزمام السلطة خفت صوت الاتحاد وتقلص دوره وتراجعت قوة تأثيره في المشهد السياسي.
وقاد اتحاد الشغل، بعدما رفض دعوة سعيّد للمشاركة في حوار وطني، مبادرةً مع عدد من المنظمات الوطنية التونسية بعنوان “مبادرة الحوار الوطني”، وذلك أسوة بتلك التي قادها عام 2014 وانتهت بحصوله على جائزة نوبل للسلام، لكن مخرجات هذه المبادرة لم تر النور رغم مرور أكثر من عامين عن الإعلان عنها.
ويقول المحلل السياسي باسل ترجمان إن الطبوبي بهذا الخطاب انتقل إلى الجبهة التي تعارض الرئيس سعّيد، ورأى في حديث لـ”النهار العربي” أن الرسائل التي وجهها في هذا التجمّع العمالي تخرج من الإطار النقابي إلى البحث عن لعب دور سياسي بالاحتجاج على ما يسميه “انفراد الرئيس بالحكم وهو الخطاب نفسه الذي تروج له المعارضة”.
لكن الطاهري يؤكد أن الاتحاد يمارس دوره الطبيعي الذي تعوّد عليه التونسيون، مشددا على أن الاتحاد “يصغي لصوت الشارع التونسي ويعمل على الدفاع عنه”، لافتاً إلى الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعاني منها التونسيون من غلاء للمعيشة وتراجع للأجور “وهو ما لا يمكن أن يقف الاتحاد مكتوف الأيدي إزاءه”.
على الهامش
ويعود اتحاد الشغل ليلوح بورقة الشارع بعد فترة طويلة اختار خلالها سياسة الصمت متجنباً الدخول في صدام مع الرئيس سعيد، ما جعله يجد نفسه “على هامش المشهد السياسي” على حد تعبير ترجمان.
ومنذ 2021 انقطع التواصل بين الاتحاد العام التونسي للشعل وسعيّد الذي لم يخف في أكثر من مناسبة تبرّمه من المنظمة النقابية بسبب الأدوار التي تريد القيام بها، معبراً عن رفضه لتحويل الحق النقابي الذي يكفله الدستور “مطية لتحقيق مآرب سياسية”.
وكان اتحاد الشغل من بين المساندين بداية لمسار 25 تموز (يوليو) 2021، وبارك الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس سعيّد، لكن رفض هذا الأخير لتوسع دوره جعله يدخل في قطيعة معه، لكنه بقي حريصاً على تجنّب الدخول في صدام مباشر “تغليباً لصوت الحكمة”، كما برر ذلك الطبوبي في كلمته.
غير أن الاتحاد يعيش علاوة على القطيعة مع السلطة التي همشت دوره أزمة داخلية انعكست على تأثيره وجعلت قياداته محل اتهامات عديدة.
ويواجه الاتحاد العام التونسي للشغل أزمة داخلية في ظل توسع الانتقادات لسياسات قادته وعلى رأسهم أمينه العام الطبوبي، ويقول عدد من المراقبين إنه “يدفع ثمن ابتلاله بالسياسة”.
وقبل أسابيع دعا عدد من المنخرطين في الاتحاد لتجمع يطالب باستقالة القيادة الحالية.
ويرى ترجمان أن القيادة الحالية لاتحاد الشغل تواجه غضب عدد من منخرطيها وطيف واسع من التونسيين يحملونها مسؤولية تدهور معيشتهم اليومية بعد إجراءات سعيد، بسبب كل الإضرابات والتحركات التي نفذتها وكانت عواقبها وخيمة.
ولا يعرف في ظل كل هذه المعطيات إلى أي حد قد يصل التوتر بين السلطة والاتحاد، وخصوصاً أن تونس مقبلة على استحقاق رئاسي نهاية العام الحالي.