صابر عيواز
السياسات الاتصالية الجديدة الناتجة عن نمو وتطوّر الأدوات والمجتمعات
شهدت المجتمعات البشرية خلال القرن الأخير تحوّلات وتغيّرات مسّت العديد من ميادين ونواحي الحياة، وشمُلت الأُطر والنّظم التي يقوم عليها سير المجتمع، فتعتبر الآونة الأخيرة تحوّلًا فارقًا في كل المجالات الاجتماعية، الاتّصال كغيره شهد تغييرًا نوعيًا داخل التجمّعات والتركيبات السكانية الحديثة التي نشأت بفعل الزيادة الطبيعية للأفراد في مؤشّر تصاعدي ما لبث إلاّ ليواصل منحاه التّصاعدي، ففي كل فترة هناك تغيرات جديدة وظهور تقنيات لم يسبق لها وجود، وهو ما اتضح من خلال الطرق والأساليب الجديدة الطارئة على السياسة الاتصالية العامة بين الأفراد والمؤسسات الناشطة في المجتمع، حيث لجأت هذه الأخيرة إلى تبني نظام وطريقة اتصالية جديدة تتكّيّف وهذه المعطيات الجديدة حيث سعت من خلالها إلى الوصول إلى الأفراد الناشطين في الإقليم الذي يغطّيه نشاطها دون الأقاليم الأخرى والتي تحظى أيضًا بتغطية من نظيراتها الناشطة هناك.
حاجة المؤسسات لأنظمة اتصالية جديدة لضمان استمراريتها وتحسين أدائها في المجتمع
المؤسسة جزء لا يتجزّأ من البناء الاجتماعي لأي مجتمع، وبما أنها نسق مصغّر مفتوح على النسق الأكبر، فهذا ما يعكس وجود علاقة وطيدة بين المؤسسة والمجتمع وهذا ما دفع بهذه الأخيرة إلى تبنّي سياسات اتصالية جديدة يحدّدها طبيعة النشاط والموقع المتواجدة فيه، وبالرجوع إلى التطور الذي مس المجتمع والتركيبة السكانية بصفة عامة والذي أدّى إلى ظهور مجتمعات وفق تقسيم جديد مبدؤه الجوارية والنزعة المحلية بغرض تقاسم نفس الاهتمام والاشتراك في نفس الخصائص، كل هذا فرض على المؤسسات تبنّي اتصال مدروس يتماشى وطبيعة المجتمع المحلي وذلك بما يعرف بالاتصال الجواري.
يمثّل الاتّصال الجواري بكافة وسائله المباشرة وغير المباشرة أداة أساسية للوصول إلى انشغالات المجتمعات الجوارية ذات الأوضاع المشتركة، ونظرًا للقرب بين أطراف العملية الاقتصادية متمثلة في المؤسسات والإدارات، والعملية الاجتماعية متمثلة في تفاعل الجمهور مع هذه المؤسسات، حيث تسعى من خلال تبنّيها لهذا النوع من الاتصال إلى تحقيق عدة مكاسب أهمّها:
– مناقشة المشكلات الحيّة ومحاولة إيجاد حلول لها من خلال أن يوليها العناية الفائقة باعتبارها عنصرًا من عناصر تقريب المواطن من مشكلاته وقضاياه المعاشة يوميًا ومحاولة إيجاد السبل الكفيلة لحلها أو القضاء عليها وتفاديها.
– تشجيع الإفراد وحثهم على التعبير بأنفسهم حول مستقبل مجتمعهم وكل ما يثير اهتمامه أو من شأنها تغيير أوضاعهم.
– السعي إلى إشباع وتلبية الحاجات الثقافية والإعلامية والإرشادية المختلفة للمجتمع المحلي.
– يدعم القيم الفردية والجماعية خاصة على المستوى المحلي والإقليمي.
– يدعم القيم الاجتماعية الصالحة أو تغيير أنماط السلوكات السلبية وكذا التعريف بعادات المنطقة والاهتمام بالفئات المحرومة والمهمّشة ويسعى لإدماجها داخل المجتمع والإقليم محل نشاط المؤسسة.
– تكون رأي عام محلي ذو بعد جواري موحّد بين مختلف الفئات والأفراد فيما يخدم الجميع ويحسّن من أوضاعه اجتماعيا واقتصاديًا.
– تسعى المؤسسة من خلاله إلى بناء صورة ذهنية إيجابية تضمن من خلالها الاسمرارية وتخلق عن طريقه جسر من الثقة والقبول والتفاعل مع جميع الأفراد داخل الإقليم الذي تنشط فيه.
– مواكبة كل التغييرات الحاصلة وكذا الأحداث والمناسبات والاندماج التام مع مقومات المجتمع باعتبارها عنصرًا أساسيًّا وفاعلًا يضمن للجميع المستوى الراقي والاحترافية في مسايرة القضايا والمشاركة الفعالة فيها.
تتبنى المؤسسات الحديثة السياسية الاتصالية الجوارية «الاتصال الجواري» بمختلف أنواعها لعدة اعتبارات منها ما هو راجع للتقسيمات المجتمعية الجديدة وكذا شمول كل منها لعناصر وأساسيات العمل المحلي والقيام بوظائف داخل المجتمع بغرض تحقيق أهداف وتلبية الرغبات والحاجيات المختلفة للأفراد، حيث يعتبر الاتصال الجواري أداة تستخدمها وترتكز عليها المؤسسات خلال عملية التنشيط خاصتها، كما أنّ تكييف معطيات ومتغيّرات العصر مع العمل الجواري ضرورة لا بدّ منها خاصة في مجال استعمال التقنيات والأساليب التي تسمح بتحقيق أهداف المؤسسات والوصول إلى كسب رضا الأفراد وتأييدهم وضمان تفاعلهم ومشاركتهم.