الشرطة تستعدّ لإزالة خيم المعتصمين تضامناً مع غزة في جامعة ويسكونسن.
في الشّكل، لا تنبئ التّظاهرات الطلّابيّة المؤيّدة للفلسطينيّين في المعاهد والجامعات الأميركيّة بالكثير من أجواء التفاؤل لحملة الرئيس جو بايدن. فبعد ستة أشهر، سيتواجه مجدّداً مع سلفه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسيّة لمحاولة الفوز بولاية ثانية، وهو يحتاج للأصوات الشابّة كي يضمن هدفه. تعدّ تلك الأصوات جزءاً أساسيّاً ممّا بات يُعرف بـ”الائتلاف الفائز” الذي مكّن بايدن من كسب معركة 2020 الانتخابيّة. بالتالي، تعني الاحتجاجات الجامعيّة أنّه سينزف المزيد من صوت الشباب. لكن في المضمون، ثمّة ما قد يحتاج إلى تدقيق.
لا يزال متقدّماً… وبفارق كبير
صدر استطلاع رأي للشباب نظّمته جامعة هارفارد واستخدم المقابلات المباشرة وعيّنة كبيرة (ألفَي مستطلَع) من الشباب مع الأخذ بالاعتبار التمثيل الجندريّ والإثنيّ والتعليميّ والإقليميّ واللغويّ وحتى الطبقيّ. باختصار، تجنّب هذا الاستطلاع التحيّزات التي عادة ما تظهر في المسوحات التي تتمّ عبر شبكتي الإنترنت والهاتف. أظهر الاستطلاع قوّة بايدن الكبيرة بين من هم دون الثلاثين، إذ تفوّق على خصمه بـ13 نقطة مئويّة بين الناخبين المسجّلين وبـ19 نقطة بين الناخبين المحتملين.
أكّدت نتائج هارفارد تقريباً استطلاعاً لشركة “سْبْليت تيكت” استخدم عدداً من المناهج ووجد أنّ ترامب يتقدّم على بايدن بـ18 نقطة عندما تكون العيّنة عشوائيّة، وأنّ بايدن يكسب هذه الفئة بـ16 نقطة عند معايرة العيّنة لتمثّل أطياف الشباب كافّة.
(التضامن مع غزة في جامعة ساوثرن كاليفورنيا – أ ب)
لهذا السبب، عندما تتحدّث استطلاعاتٌ عن خسارة بايدن الشعبيّة بين الشباب، يتعيّن التعامل معها بشيء من التشكيك بخاصّة على مستوى حجم هذه الخسارة وتأثيرها على الانتخابات الرئاسيّة، مع ضرورة النظر إلى المنهج المستخدم لقياس الآراء. ويقول خبراء أميركيّون في هذا المجال إنّ الكثير من العوامل يمكن أن تؤثّر على آراء المستطلَعين. فالليبراليّون مثلاً أقلّ ميلاً من الشباب المحافظ لمتابعة الأخبار، كما أنّهم في بعض الأحيان ينظرون إلى الاستبيانات كوسيلة للتعبير عن غضبهم أكثر من كونها مجالاً للتعبير عن خيارهم النهائيّ في أقلام الاقتراع.
مزيدٌ من الأرقام الإيجابيّة للرئيس
بالاستناد إلى استطلاع هارفارد أيضاً، يمكن تلمّس أحد أسباب قوّة بايدن المحتملة عند قياسها مع التصوّرات الأساسيّة. بيّن الاستطلاع أنّ هؤلاء الشباب الذين يفترض أن يكونوا الأكثر قلقاً أو اهتماماً بما يجري في غزّة لم يولوا هذا الملفّ الأولويّة المطلقة ولا حتى المتقدّمة. احتلّ هذا الملفّ المرتبة 15 على لائحة اهتمامات الشباب، من أصل 16 ملفّاً. حتى مع حصر هذه العيّنة بالشباب الديموقراطيّ، تتقدّم غزة قليلاً لتحتلّ المرتبة 13 على سلّم أولويّاتهم.
قد يفسّر هذا الاستطلاع جزءاً من تردّد بايدن في قطع الدعم عن إسرائيل. فلو كان الرئيس الأميركيّ يتلقى تقارير عن خسائر كبيرة في صفوف هذه الفئة الناخبة لربّما أمكن توقّع خطوات إضافيّة من جانب إدارته للضغط على تل أبيب.
(احتجاجات في جامعة شيكاغو – أب)
حتى عند النّظر إلى الانتخابات من زاوية مختلفة، بالتحديد زاوية الناخبين في الولايات المتأرجحة، قد لا تترك الاعتصامات الطالبيّة أسباباً كبيرة كي يقلق الديموقراطيّون. صدر استطلاع الشهر الماضي عن شبكة “بلومبرغ” وشركة “مورنينغ كونسالت” وجد أنّ 59 في المئة من الناخبين الشباب (18-34) في تلك الولايات صنّفوا الحرب بين إسرائيل و”حماس” على أنّها محدِّد مهمّ جدّاً أو نوعاً ما لخيارهم الانتخابيّ. لكنّ أهمّيّة هذا الرقم تتلاشى عند معرفة أنّ الاقتصاد والجرائم والتّعليم والرّعاية الصحّيّة حصلت على اهتمام راوح بين 90 و95 في المئة بحسب الاستطلاع نفسه. حتى الحرب بين روسيا وأوكرانيا حصلت على اهتمام مساوٍ تقريباً (58). مجدّداً، يتأكّد الاتّجاه الشبابيّ العام في الولايات المتحدة الذي لا يزال يولي القضايا الداخليّة الأولويّة المطلقة. وثمّة أرقام إضافيّة تؤيّد هذا الاتّجاه.
بحسب “مورنينغ كونسالت” أيضاً، يؤيّد 47 في المئة من مجمل المستطلعين حظرَ الاحتجاجات المؤيّدة للفلسطينيّين في الجامعات في مقابل حصولها على دعم 30 في المئة منهم. حتى عند النظر إلى الفئات الشابة (18-34)، لا تتغيّر المعادلة بشكل راجح. يؤيّد 41 في المئة منهم حظر تلك الاعتصامات في مقابل تأييد تنظيمها من قبل 35 في المئة. اللافت في المقابل أنّ نسبة مساوية تقريباً تؤيّد منع الاعتصامات الطالبيّة المؤيّدة للإسرائيليّين. ما يريده الشباب، بشكل محتمل، هو عدم إضاعة ساعات التعليم.
رهان
لهذه الأسباب، قد تراهن الإدارة بالفعل على أنّ تحسّن الأوضاع الاقتصاديّة في البلاد يمكن أن يرفع حظوظها الانتخابيّة بصرف النظر عمّا يجري في الجامعات أو حتى في غزة. في جانب معيّن، يعدّ تدهور دعم الشباب لبايدن جزءاً من مشكلة سابقة لحرب إسرائيل على غزّة. في كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي، سألت شبكة “أن بي سي” عدداً من الشباب الممتعضين من بايدن عن سبب استيائهم. كان تعامل بايدن مع الحرب أحد الأسباب وراء هذا الغضب. لكن من بين الأسباب الأخرى أيضاً عدم القيام بما يكفي لمكافحة التغيّر المناخيّ وعدم تقنين حقّ الإجهاض وعدم إلغاء ما يكفي من ديون الطلّاب، إلى جانب المخاوف الاقتصاديّة الأساسيّة. في الواقع، ثمّة الكثير من التقارير التي تشير إلى أنّ مشكلة بايدن مع الشباب قديمة وبدأت قبل الحرب على غزّة. في أواسط 2023، قال جون ديلا فلوبه، وهو أحد مستطلعي الآراء في حملة بايدن الانتخابيّة الماضية، إنّ الشباب ما دون الثلاثين أصبحوا أقلّ ميلاً للارتباط بالحزب الديموقراطيّ بالمقارنة مع 2019.
(المرشّح الجمهوريّ الى مجلس الشيوخ ديف ماكورميك يتحدث إلى أحد المعتصمين تضامناً مع غزة في جامعة بنسلفانيا – أب)
الواضح أنّه وبالرغم من كلّ ما قيل عن امتعاض الناخبين الشباب من بايدن على مدى العامين الأخيرين، عمد هؤلاء إلى التصويت لحزبه في المحطّات الانتخابيّة المفصليّة. في الوقت نفسه، قد يركّز بايدن أكثر على الخطوات الداخليّة كالوعود بشطب 6.1 مليار دولار من ديون الطلاب وإعادة تصنيف القنّب لتعزيز حظوظه بين الشباب، خصوصاً أنّ الجمهوريّين يسهّلون عليه الأمر أيضاً عبر التشدّد في تقييد الإجهاض ضمن ولاياتهم.
تغريدة معبّرة
لا يعني كلّ ذلك أنّ بإمكان بايدن وحملته النوم على حرير، بخاصّة إذا امتدّت الاحتجاجات حتى فصل الصيف وازدادت الاعتقالات إلى جانب عدم شعور الأميركيّين بتحسّن ملحوظ في أوضاعهم المعيشيّة. من جهة أخرى، حتى الاستطلاعات الأكثر تفاؤلاً، مثل “هافارد يوث” و”سْبليت تيكت”، تظهر أنّ شعبيّة بايدن بين الشباب أقلّ ممّا كانت عليه سنة 2020. والاستطلاعات الأقلّ تفاؤلاً كذاك الذي صدر مؤخراً عن شبكة “سي أن أن”، يضع ترامب في المقدّمة بفارق 11 نقطة عن بايدن لدى هذه الفئة من الناخبين. هذا إلى جانب أنّ استطلاعي “هارفارد” و”بلومبرغ” صدرا قبل ازدياد صخب الاحتجاجات الطالبيّة في أواسط أبريل (نيسان). بالتالي، يمكن أن تساهم هذه الاحتجاجات بتآكل إضافيّ في شعبيّة بايدن بين الناخبين الشباب، لكن من الآمن القول، بالاستناد إلى سلّم أولويّات هذه الفئة، إنّ التآكل قد لا يكون كبيراً (وقد تعوّضه إدانة ترامب بحسب هافارد).
في المحصّلة، وبالنّظر إلى أنّ الانتخابات قد تتحدّد عند بضع عشرات الآلاف من الأصوات في ولايات محدّدة، لا يستطيع فريق بايدن الشعور برضا كبير عن النفس. لكن خلف الاستطلاعات ونمط التصويت في السنوات الأخيرة، ربّما هناك ما يطمئن الإدارة بشكل غير مباشر:
سنة 2023، وبعد انتخابات خاصّة برز فيها إقبال أكبر للشباب الديموقراطيّ، غرّد الصحافيّ في موقع “سيمافور” جوردان وَيسمان بشكل معبّر عمّا يحصل مع الناخبين الديموقراطيّين: “حاليّاً، يكره الشبابُ الحزبَ الديموقراطيّ، باستثناء يوم الانتخابات”.
ستّة أشهر ويعرف المراقبون ما إذا كانت 2024 ستشكّل استثناء أو إثباتاً للقاعدة.