جودة مرسي:
يجتمع العالم حول شيء واحد تم الاتفاق عليه، سواء كان هذا الاتفاق عرفيا أو تضامنيا أو مؤسسيا، وهذا الشيء هو تلك الجائحة التي ضربت اقتصاد العالم، وأربكت المسؤولين الماليين وصناع السياسات الاقتصادية والمسؤولين التنفيذيين في القطاع الخاص، والأكاديميين وممثلي منظمات المجتمع المدني والمجتمع الصحي، في محاولة العثور على حلول لتلك التطورات الناتجة من أحفاد (كوفيد 19) أعاننا الله عليها وعلى نتائجها، حتى باتت هذه الجائحة كثيرة اللغط في كيفية مقاومتها ومقاومة آثارها، خصوصا وأن الناس اختلفت عن أي من التلقيحات هو الأفضل، وهل هي إيجابية أم سلبية؟ وأيا من تلك اللقاحات أفضل من الآخر؟ وقد وقعت مؤخرا في هذه المشكلة حين أخبرني أخي الأكبر أنه ذاهب لأخذ هذا التحصين، ولم أجد عندي نصيحة وافية له هل يأخذ التحصين أم لا؟
هذه الحيرة لا تبتعد كثيرا عن الظروف الاقتصادية العالمية، فهي بطبيعة الحال غير مستقرة، ولا توجد دلائل تشير إلى أي نمو صحي للناتج المحلي الإجمالي في أي من الدول الأكثر تضررا، في القريب العاجل، فضلًا عن التعافي الضعيف في بعض الدول الأخرى التي حاولت الاستفادة من تقلبات الأسواق العالمية. وفي مثل هذه البيئة العامرة بعدم اليقين، فإنه حتى أقل التغيرات في السياسة الاقتصادية التي تنتهجها البلدان المتقدمة قد تفضي إلى زعزعة استقرار الاقتصادات النامية؛ لتكون الجائحة وما تلتها من تحورات المميكن الأول لاقتصادات الشعوب.
إن العالم يحتاج إلى استراتيجيات جديدة تتماشى مع هذه التقلبات الحالية والآنية لرفع مستوى الاقتصادات الأكثر تضررا، وعلى العالم أن ينسى كورونا وأحفادها لكي يبدأ في إدارة عجلة التنمية من جديد، كما ينبغى على المؤسسات الدولية ومنها بطبيعة الحال صندوق النقد الدولي ــ الذي تتمثل مهمته في الحفاظ على استقرار ميزان المدفوعات في مختلف أنحاء العالم ــ أن يضطلع بدوره كمؤسسة قادرة على توفير هذه الاستراتيجيات. وبدلًا من انتظار الحلول الفردية لعلاجات كورونا التي أصبحت تجارية أكثر منها صحية، فيتعين على صندوق النقد الدولي أن يقدم “توجيهاته التقدمية” حول الكيفية التي من خلالها يمكن توجيه الدول مع تقديم المساعدات للاعتماد على التعايش مع الجائحة حتى يتم نسيانها والعودة إلى الحياة الطبيعة للشعوب ليعود معها الاستقرار والتنمية الاقتصادية.
إن بعض الدول في احتياج شديد لمثل هذه التوجيهات والمساعدات لمعرفة بوصلة المستقبل والبحث عن أفضل الحلول، خصوصا وأن البنك الدولي له الكثير من المواقف التي ساعدت بعض الدول في أزماتها والخروج من محنتها الاقتصادية بإعطائه بعض القروض طويلة الأمد مع تثبيت استقرار تكاليف الاقتراض إلى حدود معقولة، وخفض الفوارق في أسعار الفائدة إلى حد كبير للمساهمة في اقتصادات الدول المتأثرة والمتعثرة في ذات الوقت، لتكون الأداة السياسية لدى صندوق النقد الدولي هنا في كمية الأموال التي يمكنه التعهد بها كحاجز أمان في مثل هذه الأزمات. والإعلان عن استعداده لتوفير الأموال اللازمة للدول الأكثر تأثرا، ولأن صندوق التقد الدولي ليس هو ولي الأمر الوحيد في هذه الأزمات تحديدا، فينبغى على الدول الكبرى، وخصوصا دول مجموعة العشرين، أن تقوم بدورها في إرسال مساعدات مالية تسهم في إنعاش اقتصادات بعض الدول من صناديقها الاستثمارية التي يتوافر لديها فائض مالي كبير من خلال طرح مشاريع استثمارية ذات كثافة عمالية كبيرة.
لا شك أن أزمة كورونا “كوفيد 19″ وما بعدها من آثار ناتجة خلَّفت وراءها الكثير من الأمور التي تستحق الإجماع الدولي حول الصحة والتنمية، وأن يكون العنصران بالتوازي، فليس معقولا أنه إلى الآن لم نعرف أيهما أفضل هل أخذ اللقاح كما يشير بعض الأطباء؟ أم لا كما يشير أيضا البعض الآخر من الأطباء؟ وليس معقولا أيضا أنه بعد كل هذه الشهور من تأثيرات الفيروس اقتصاديا ما زال العالم يشاهد ويتأثر، ولم يكن هناك حلول جدية من المؤسسات العالمية، إن عدم الاهتمام بالعنصر الصحي والاقتصادي معا على التوازي من شأنه أن يقوض أي تقدم يتم تحقيقه في أي من المجالات الأخرى منفردا.
الاختبارات تتوالى على المؤسسات الدولية
التعليقات معطلة.