أحمد عبد الباسط الرجوب
بات في حكم المؤكد إدراج مذكرة حجب الثقة بحكومة الرئيس هاني الملقي على جدول أعمال جلسة المجلس مساء يوم الأحد المقبل بتاريخ 18 شباط / فبراير 2018 حيث اتت هذه المذكرة على خلفية رفعها ضريبة المبيعات على السلع، وعدم أهليتها، وقدرتها على النهوض بمتطلبات المرحلة، ومواجهة التحديات التي تكتنفها، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية”، وبالتزامن مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في ضوء ارتفاع الاسعار كما قدمنا …، ويأتي توجه النواب بطرح الثقة بحكومة الملقي استنادا إلى المادة المادة 54 من الدستور، تُطرح الثقة بالوزارة أو بأحد الوزراء أمام مجلس النواب، وإذا قرر المجلس عدم الثقة بالوزارة بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وجب عليها أن تستقيل…
وفي ظل تجاذبات المواقف المعلنة للكتل النيابية وارتفاع عدد الموقعين على مذكرة طرح الثقة بالحكومة نستطيع ان نلحظ بأن هناك موقفا متشددا تقودة كتلة الاصلاح (حزب جبهة العمل الاسلامي) والذين ينظرون الى حكومة الملقي بأنها قد أثبتت فشلها سياسياً واقتصادياً وأمنياً ما يعني أنها استنفدت أسباب وجودها، مؤملين تشكيل حكومة إنقاذ وطني جديدة تستند إلى برنامج إصلاح حقيقي في مختلف المجالات… والسؤال المطروح : ما هو حد التأييد الذي سيلقاه هذا الطرح من بقية كتل المجلس؟ وهل رهان الملقي على طرح الثقة بحكومتة هو بمثابة المراهنة على حصولة على الثقة الثالثة والتي تطيل امد عمر حكومته والتمهيد للتخلص من الحمولة الزائدة من ركاب قاطرته والغير فاعلين والمنتجين ، وهو في ذلك يتوكأ على ما ادلى به الملك عبد الله الثاني عندما تطرق الى انسحاب او استقالة اي مسؤول في الحكومة لا ينتج او يعوق العمل…
إن المتابع لدرجة الاحتقان الشعبي حول اداء مجلس النواب الحالي وعدم اتخاذهم مواقف جادة في التخندق الى جانب المطالبات الشعبية بضرورة قيام النواب بتفعيل النظام الداخلي للمجلس من حيث التهديد بطرح الثقة بالحكومة لحملها على التراجع عن قرارتها برفع الاسعار والاذعان لطلبات صندوق النقد الدولي والتي عكست واقعا اقتصاديا معيشيا على المواطنين حيث اصبح المجلس متبنياً لقرارات حكومية ومواقفها… وفي هذا السياق ومنذ سنوات طويلة لم يشهد إطاحة بحكومة عبر التصويت على حجب الثقة عنها، وللتذكير فقد أقيلت حكومة الرئيس سمير الرفاعي (الحفيد) على وقع الاحتجاجات في الشارع بعد أسابيع قليلة من حصولها على الثقة العالية لمجلس النواب بـ 111 صوتاً من أصل 120 نائباً ، مما يبين ان الاحتجاج الشعبي متقدم على اداء النواب تحت القبة في التعاطي مع الحكومات الاردنية… فهل يفعلها مجلس نوابنا مع حكومة الرئيس هاني الملقي ؟
حيث أن رئيس الحكومة قد شارف على اضاءة الشمعة الثالثة على توليه هذا المنصب وبهذه المناسبة فإن موقفه رصين بانجازاته غير ابه بمذكرة طرح الثقة فمن المقرر وكما هو معهود به في سائر الدول في هكذا مناسبات ” مرور سنتين على ترؤسة الحكومة ” أن يحتفل الاردنيون بهذه المناسبة ، وستشارك الحكومة بكامل أركانها في هذه الاحتفالات ، ولعل أبرز ما سيكون على الأجندة هو افتتاح عشرات المصانع والشوارع ، وتحسين وصيانة البنية التحتية ، وايجاد الاف فرص العمل للخريجين المتعطلين عن العمل ، واقفال مكاتب صندوق المعونة لعدم وجود محتاجين ، وتدشين العديد من توسعات المستشفيات ، وتسديد اقساط المديونية … والكثير الكثير من المشاريع المجتمعية ….
وقبل التعرض للمشهد النيابي عشية طرح الثقة بالحكومة ، فقد أبدى الرئيس الملقي في حديثة للتلفزيون الاردني إصرارا وتمسكا بسياسته الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطن، في ظل غياب الدخل المادي الذي تعاني منه الاسر الاردنية وخاصة موظفي القطاع العام بالدولة … ولم يعلن الملقي في حديثة عن وجود خطط واضحة لإنعاش الاقتصاد الأردني، مبشرا بأن الأردنيين سيخرجون من عنق الزجاجة في منتصف عام 2019 وكاني به يضع عناوينا اما النواب على سبيل تطمينهم (وقبل طرح الثقة) بان هناك املا في حللة الوضع الاقتصادي في البلاد وفي اجل حتى نهاية العام الحالي 2018.
وفي قرأة للمشهد النيابي والتباين بين مواقف الكتل في المجلس يبد لي بأن هناك عدت عوامل تقف عائقاً أمام البرلمان في ممارسة حقه الدستوري في حجب الثقة عن حكومة الملقي، ومن بين هذه العوامل :
الملف السياسي: يكرر الاردن مخاوفه بطرق شتى بما يعكس المحيط القلق الذي يعيش فيه ، فحرب في سوريا ومسار غامض لعملية السلام يخشى أن يدفع ثمنها دون أن يدرك مآلها ، خاصة في أهم ملفات وقضايا المنطقة المعقدة المتمثلة بالملفين الفلسطيني والسوري والعلاقة مع الخليج العربي وخاصة ازمة الخليج المستعصية على الحل ، وبين سياسات انتهجتها قوى الهيمنة الخارجية، ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية، التي كشفت عن انحيازها الكامل للمشروع الصهيوني…
الوضع الاقتصادي الاردني : فالوضع شارح حاله ولا يحتاج الى شرح مستفيض امام توقف المنح والمساعدات الخارجية وارتفاع حجم المديونية الى ارقام خرافية (36 مليار دولار امريكي) تجاوزت حاجز الـ (92 %) من الناتج المحلي وبطالة مقنعة (16%).. وهو ما اشار اليه بهذا الصدد الملك عبدالله الثاني، حيث قال مؤخرا إننا تتعرض لـ”ضغوطات” اقتصادية بسبب موقفنا السياسي من قضية القدس ولا نملك الكثير من الإمكانيات، لكنها ” أكبر من حدودنا “.
الملف الامني: خاصة في ظل مشاركة الأردن في التحالف الدولي لمحاربة الارهاب وهو ما يستوجب الابقاء على حكومة الملقي على الأقل لحين وضوح خيوط اللعبة السياسية بالمنطقة وتحديداً بسوريا.
رضى مؤسسة السرايا على اداء حكومة الملقى والتي تمت الاشارة اليها في عدة مناسبات والذي عليه نعتقد بأن حكومة الملقي سوف تتجاوز هذه المذكرة بالثقة الثالثة الى اعتاب العام القادم 2019 على اقل تقدير.
وأمام هذا الواقع فإن هذه المذكرة النيابية الخاصة بطرح الثقة بحكومة الملقي ما هي إلا من باب ذر الرماد في العيون والتعبير عن عدم وجود تجانس بين السلطتين التشريعية والتنفيذية … ولكن هناك ثمة سؤال مهم نضعة امام السادة النواب في ظل اجواء طرح الثقة وهو:
هل تكون معالجة الأزمة الاقتصادية والديون التي تعيشها البلاد بإلقائها على كاهل المواطن؟، وتبرئة الحكومة منها ” الشعب ليس ضد مساندة اقتصاد الوطن، ودعمه لكي يبقى صامدا، ولكن المواطن ضد قلة الخبرة وكثرة الفساد في قطاع الحكومة” …
وأخيرا وليس اخرا … كم كنت اتمنى ان يلجأ السادة النواب الى استباق طرح الثقة بحكومة الملقي باستبيان آراء المواطنين عن مدى رضاهم أو رفضهم لهذه الحكومة حيث ان فكرة استبيان آراء المواطنين قبل الإدلاء بصوته ” بنعم أو لا ” على استمرار حكومة الملقي من عدمه في جلسة مجلس النواب المزمع عقدها غدا الاحد في هذا الشأن، تأتي من كون النائب ممثلا للشعب ولا بد من قيامه بدوره في نقل رؤية الشعب بكل صدق ووضوح حيث أن النائب بعد انتخابه لم يعد ممثلا لدائرته فحسب بل أصبح ممثلًا لكل الاردنيين، وبناء عليه يجب عليه استبيان آراء المواطنين بشكل عام وعشوائي دون الاحتكام إلى مجموعة محددة من الناس وبخاصة جيل الشباب الذين يتواصلون بكثافة عبر مواقع الإنترنت، مما جعل تلك المواقع هي الملتقى الأكبر للفئات العمرية الشابة ، وحيث ان النواب ليسوا أوصياء على المواطنين الذين انتخبوهم، ولا بد من التعبير بصدق عن نبض الشارع وهمومه ومطالبه وتطلعاته، وهنا وفي رأيي أعتبر أن هذا هو الدور الحقيقي الذي يجب أن يلعبه النائب تحت القبة….
وختاما … هل يصمت النواب علي حق الاردنيين في تحقيق مطالبهم؟!