عمر الردّاد
كان تعرض الاردن لمؤامرة الى ايام قريبة مجرد فرضية،يتداولها محللون ومتابعون في اطار تفسير محاولات”تهميش” الاردن ودوره الاقليمي في ملفات المنطقة ، وخاصة المرتبط منها بالقضية الفلسطينية، لكن اليوم ثبت يقينا حجم تلك المؤامرة التي يتشارك فيها الصديق والشقيق والشريك،وتحت عنوان محاصرة وخنق الاردن اقتصاديا لانتزاع مواقف سياسية منه ،تتعارض مع مبادئه، في ظل صراعات الاحلاف التي اصبحت تدار بمنهجية “من ليس معي فهو ضدي”وهو ما جعل الاردن ،الذي برع في ان يسير بخطوات “لاعب السيرك” على الحبل المشدود، ان يكون اكثر تصميما وعزيمة على المضي بقناعاته ، رغم السهام التي تطلق عليه من كل اتجاه.
تضغط اليوم على الاردن حتمية الجغرافيا والتاريخ،فما اشبه اليوم بالبارحة ،الحصار نفسه مورس على الاردن ،بعد سوء الفهم المقصود لمواقفه من احتلال العراق للكويت، حيث توقفت المساعدات الخليجية، وتعرض ميناء العقبة لحصار وتفتيش كل “علبة كبريت” بحجة الاستخدام المزدوج،ولم يخرج الاردن من الحصار الا بعد مؤتمر مدريد ومعاهدة السلام.
الحصار نفسه يعاد انتاجة ، بعد عقدين من الزمن، باضافة لاعبين جدد ،فرغم الحديث المتواصل عن اعادة فتح الحدود مع العراق وسوريا،وخطوط نفط عراقي الى العقبة ،ووعود بانسياب حركة التبادل التجاري ،الا ان النتائج ما زالت متواضعة ،وليس هناك ضمانات بحركة تجارية سلسة بين عمان وبغداد ودمشق ، بسبب الاوضاع الامنية، والى الغرب ما زالت التطورات في الضفة الغربية وقطاع غزة ، مفتوحة على سيناريوهات اكثر سوءا، تنذر بموجات لجوء جديدة ،وتصعيد في جنوب سوريا ،وسقوط المزيد من شظايا الصواريخ على البلدات والقرى الاردنية في الشمال،وفي الجنوب ما زالت ازمة قطر مع جيرانها تلقي بظلالها على الاردن ، ليس في اطار وقف المساعدات فقط ، بل في سيناريوهات اسوا تتمثل باحتمالات اعادة العمالة في دول الخليج من هذه الدولة او تلك، خاصة وان التطورات تشير الى ان الاردن اصبح في خانة المعاقبين بهذه الازمة.
عنوان المرحلة :لا مساعدات للاردن الا بمواقف سياسية تتعارض مع نهجه، سترتب عليه اعباءا اكثر سوءا من تحمل الحصار،فكان خيار الاردن ب”الاعتماد على الذات” في دولة شكلت المنح والمساعدات “الموقوفة”جزءا من موازناتها،وكان لا بد من اعادة النظر في معادلة الموارد والنفقات المختلة تاريخيا ، برفع الدعم عن بعض السلع ومن بينها الخبز، الذي ثبت انخفاض استهلاك الاردنيين منه الى النصف ،وهي اجراءات تتخذها دول اكثر غنى من الاردن ، من بينها المملكة السعودية وايران ، والتي تتعدى موازناتها مئات المليارات ، مقابل عشرة مليارات للاردن، فيما اتجهت دول اوروبية كاليونان وايطاليا لبيع بعض الجزر لسد عجوزاتها المالية ،ضاربة عرض الحائط بمقولات السيادة الوطنية.
هذه المقاربة لا تنفي خطيئة الحكومات المتعاقبة ، باستسهال الاقتراض من الدائنين الدوليين ، حتى وصلت المديونية الى ما وصلت اليه، فمنذ منتصف الثمانيات من القرن الماضي كانت المرحلة التي وصلنا معروفة ،وكان من الابجديات المعروفة لدى المخططين ان ملفات: عجز الموازنة ، الطاقة والمياه، تشكل ملفات ضاغطة على الاردن حتى اليوم، وكان لافتا الاستجابة المحدودة لتوجيهات جلالة الملك ب”الاعتماد على الذات”حيث لم نسمع عن وزارة او مؤسسة اعلنت خططها للتكيف مع الظروف الجديدة ،اذ كان يفترض ،على سبيل المثال، ان تتحرك اليات وزارة الزراعة لزراعة كل شبر من الاردن .
وعلى خلفية الاجراءات الاقتصادية ، تشهد مدينتان في المملكة وهما ” الكرك والسلط” محاولات لاعادة انتاج حراك جماهيري ،على غرار الحراك الذي جرى خلال اعوام (2011-2013) بالتزامن مع الربيع العربي، ويبدو واضحا ان الحراك الحالي يضم غالبية من المواطنيين الشرفاء، واقلية تحاول اختطاف مظلمة هؤلاء الشرفاء، لتحقيق اجندات ضيقة يقف وراءها رموز ما يعرف بالمحافظين والليبراليين واحزاب يمينية واخرى يسارية ،تنتهي ادوراهم بفرصة تسلمهم مواقع بالدولة، وقد اسهم القصور المزمن للاعلام الرسمي في توضيح حقائق واسباب وتداعيات الازمة الاقتصادية ، في ترك الساحة لهؤلاء الطامحين ، باعادة استصدار فيديوهات لحراكات 2011، باعتبارها بثا حيا للحراك الحالي، وتزامنت فصول المؤامرة بعمليات السطو على بعض البنوك من قبل اشخاص ،لم يثبت ان دوافع السرقة لديهم كان لشراء الخبز، بعد زيادة اسعاره،فيما تلقفت وسائل اعلامية في الخارج اخبارا مشكوكا في مصداقيتها من الكرك والسلط حول خراب وثورة تعم البلاد.
يدرك الاردنيون اليوم حجم ،وحدود المؤامرة المفتوحة على بلدهم ، وهم قادرون على التصدي لها ، وتم تجريبهم في مؤامرات اكثر خطورة من محاولات تجويعهم،ويدركون ان الاعتداء على المؤسسات العامة والخاصة ،جزء من ادوات ماضوية ، وان هذه الاجواء المراد نشرها واشاعتها انما تشكل بيئة سينفذ من خلالها الارهاب ، الذي ما انفك في جعل الاردن هدفا له ،واللصوص والانتهازيين، وحينها(لا قدر الله) ربما لن يتمكن المحتجون ببراءة من الوصول الى المخابز ، لشراء الخبز مهما كان ثمنه.
الاردن في عين العاصفة.. والمؤامرة التي تستهدفه حقيقية
التعليقات معطلة.